كتب إلي أحد الموظفين يثني على هذه الفصول ويلاحظ علي أنني أقحمته- أو أدمجته- في الموظفين ولم أستثنه من بينهم- في فصل (حسن التوجيه) إذ يرى أنه- وإن كان موظفا بالاسم والشكل- متميز عن الموظفين بيقظة الشعور وسلامة الطوية وحسن السيرة.
وجوابي إليك وإلى أمثالك ممن امتازوا امتيازك- أيها الموظف الممتاز- أنني- أولا- تحريت الدقة في هذا الموضوع ولم أعمم، بل التزمت القصد إذ قلت- عن الفقيد الرئيس-: لو كان موظفا لربما كان (كأكثر) هؤلاء الموظفين ... فكلمة (أكثر) تخرجك وتحرج أمثالك من هؤلاء الذين لا يهمهم إلا ما يتقاضونه- في نهاية كل شهر- على وظيفة لم يرشحم لها أنهم أحق بها وأهلها، بل لم يرشحم لها إلا عكس ذلك تماما وهو ما يجرح ويقدح فيها، ويعين على القضاء عليها والتخلص منها، هذا إذا كنت كما ذكرت لا ينطبق عليك ما عليه زملاؤك الموظفون، أما إذا كنت عبد الوظيف وعبد الدينار والدرهم، فمكانك من هذه (الأكثرية) لا أستطيع أن أزحزحك عنه لا أنا ولا أي شخص آخر، وإنما أنت وحدك الذي تستطيع أن تفعل ذلك.
ثانيا- إن الوظيف- من أصله طوق من ذهب، يغري بلمعانه البسطاء الأغرار ولكنه يستعبد الأحرار، فمنذ كان الوظيف وقبل أن تعرف الدنيا بلاء الاستعمار، وهو ذلك المخدر القوي الذي يشل الأعصاب عن الحركة، ويكم الأفواه عن النطق، ويحرم صاحبه نعمة حرية الرأي والعقيدة، وفضيلة مقاومة المنكر ومحارلة البغي والعدوان وهذا ما جعل أحرار الفكر، وأحياء القلوب، يعافونه ويتحامون الوقوع في شركه،