النبي صلى الله عليه وسلم كل ما جاء به في هذا الجانب إذ يقول: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" ولا عجب أن يقول شاعرنا شوقي:
وإذ أصيب القوم في أخلاقهم … فأقم عليهم مأتما وعويلا
وما انحط المسلمون إلا بعد أن انحطوا في أخلاقهم وما انحطوا في أخلاقهم حتى انحرفوا عن دينهم الذي لم يكن إلا دستور أخلاق بشهادة الحديث المتقدم وهل أعجب في الآنحطاط من أن تكون الأمة التي يقول نبيها "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" هي الأمة التي يضرب بها المثل اليوم في انحطاط الأخلاق حتى اتخذ أعداؤنا ذلك حجة على ديننا لأننا أعطيناهم الشهادة العملية بفساد أخلاقنا، وبعد أن كانت أخلاق المسلم دعاية إلى الدخول في الإسلام أصبحت أخلاقه دعاية ضد الإسلام، ذلك هو ضعف الإيمان و "حسن الخلق من الإيمان" الإيمان هو الشجرة والخلق الحسن والعمل الصالح هو الثمرة، فمنذ ضعف الإيمان ضعفت الأخلاق، وأعان على فساد الأخلاق هذا المجتمع الغربي الذي لا إيمان له، والذي قدر علينا أن نعيش فيه ونتأثر به وأن نتخذه أستاذنا في كل شيء إن هذا المجتمع ليتناقض مع المجتمع الإسلامي تماما فما يراه أحدهما كمالا يراه الآخر نقصا فمثلا نشأ المجتمع الإسلامي على خلق الحياء لأن دينه يجعله من الإيمان إذ يقول صلى الله عليه وسلم "الحياء من الإيمان" بل يجعله محورا للفضائل كلها وأساسا لآداب الإسلام جميعها إذ يقول: "الحياء هو الدين كله" بحيث إذا زال الحياء انقلب الإنسان وحشا كاسرا لذلك يقول صلى الله عليه وسلم "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فافعل ما شئت" أما هذا المجتمع الذي ينعتونه- ظلما وزورا- بأنه متحضر فهو لا يقيم للحياء وزنا ولا يعرف له طعما، وهذا قد شاهده سائر من سكن الحواضر فلا سبيل إلى الشك فيه وصبياننا وشبابنا إذا نشأوا على مشاهدة المناظر المهدر فيها الحياء كالمغازلة في الشوارع والمقاهي والسيارات العامة، يصعب بعد ذلك أو يستحيل إقناعهم بأن ذلك مخالف للتربية الصحيحة والخلق الفاضل اللذين يهدف إليهما الإسلام في سائر تعاليمه إن المجتمع الصالح هو المجتمع الذي استقامت أخلاق أفراده وتهذبت طباعهم وسمت نفوسم فلا يصدر عنهم إلا الفعل الجميل ولا تلفظ شفاههم إلا الكلام الطيب ولا يفكرون إلا فيما فيه خير أمتهم وصالح بلادهم وأصبحوا قدوة لأبنائهم ومثالا