ولا قيمة للرأي الحصيف والإشارة الصائبة بدون طاعة.

ومن هنا يقول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: "لا رأي لمن لا يطاع"، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي موسى الأشعري ولمعاذ بن جبل عندما بعثهما إلى اليمن: "تشاورا وتطاوعا، ويسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا".

وليس في هذا كله ما يتنافى مع ما مر في الفصل السابق من أن الطاعة لا تكون إلا لله، أو لرسوله المبلغ عن الله، والذي طاعته طاعة لله، وإنما هو التفصيل بعد الإجمال، والتفريع بعد التأصيل، فكل ما فيه رضى الله وصلاح المجتمع فهو طاعة لله، وإن الله ما بعث أنبياءه إلا لإصلاح هذه البشرية، ومحمد صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، فأنبياء الله هم بذور الإصلاح، والرسالة السماوية قد رافقت البشرية منذ نشأتها، وأبو البشرية آدم هو أول أنبياء الله وما اهتدى الناس إلى ما ينفعهم ويضرهم إلا على مشاعل الأنبياء وهداية السماء.

وإذن فالخير فيما شرعه الله للناس وهدى إليه أنبياءه، والطاعة التي أوجبها الله على عباده هي الأخذ بما بعث به رسوله بما في ذلك طاعة الرعية للإمام، والجند للقائد، والتلاميذ للمعلم، والأبناء للآباء، وكل داع إلى الله آمر بالمعروف ناه عن المنكر، ولما أدرك المسلمون الأولون ذلك، واطمأنوا إلى ما في طاعة الرسول مما تصبو إليه نفوسهم من سعادة، وما تطمح إليه أنظارهم من كمال، تفانوا في حبه وطاعته، واستماتوا في الذود عن دينه ورسالته، وضحوا في سبيل نصره وتأييده بأموالهم وأنفسهم فكان إذا دعاهم للغز وطاروا فرحا وخفوا إليه رجالا وركبانا، وإذا حثم على البذل في سبيل الله خرج بعضهم عن نصف ماله والآخر عن جميع ماله. وما أعظم تلك الكلمة التي قالها الأنصار على لسان سعد بن معاذ، وقد أستأذنهم الرسول في الخروج إلى بدر: (امض لما شئت، وصل حبال من شئت، واقطع حبال من شئت، وسالم من شئت، وعاد من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت، وما أمرت فيه من أمرنا، فأمرنا تبع لأمرك، فامض يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، والذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقي بنا عدونا، وإنا لصبر في الحرب، صدق في اللقاء، لعل الله أن يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله، فنحن عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015