لم أستطع أن أشق طريقي في الزحام الشديد الصاخب حول باب المكتب الفرنسي الذي سد الطريق على المارة، والذي يتألف أكثره من العائلات الإسلامية، وخاصة من الأمهات الآخذات بأيدي أبنائهن وبناتهن ينتظرن فتح الباب والإذن بالدخول. ذلك لأن هذا اليوم يوم افتتاح السنة الدراسية، للمكاتب الفرنسية.
لم أنكر هذا المنظر فمد ألفته عيني وتعودته نفسي، منذ عرفت أن اللغة السائدة هي اللغة الطارئة على البلاد، لا لغة البلاد التي عوملت معاملة اللغة الأجنبية وحوكم معلمها محاكمة المجرمين المعتدين.
هي لغة الحاكم الذي يوزع الغذاء والكساء والمأوى، ويعطي من يشاء ويمنع من يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء، ويحيي لغة ويميت أخرى، ويطلق لسانا ويعقل آخر.
لم أنكر هذا وشبهه فهو دستور الإستعمار، منذ عرف الإستعمار، وقانون القهر والغلبة منذ وجد في هذه الدنيا قوي وضعيف، وحق وباطل، وغالب ومغلوب.
إنما انكرت أن لا يكون مثل هذا الزحام على المدرسه التي تعلم العربية والإسلام، وهي الأولى بذلك لأنها الأصل والأساس، بالنسبة لأبناء العربية والإسلام، ولأنها - كذلك- المورد الذي لا يشوبه كدر ولا يغص شاربه، ولأن لغة الأمة هي رأس مال الأمة، فالإحتفاظ بها احتفاظ برأس مال الأمة.