"قال سفيان الثوري رضي الله عنه: ما زلت أرائي- أي أعمل ما أعمل رياء- وأنا أشعر- إلى أن جالست أبا هاشم الزاهد، فأخذت منه ترك الرياء".
هكذا كان السلوك هو المعلم، والقدوة هي الموجه، وهكذا يعترف هذا الرجل الواقعي الخبير بأن الرياء أو حب الظهور، هو الخلق المسيطر على كل شعور، وهكذا يعترف أرباب القلوب بما فيهم من عيوب، طلبا للكمال، ومقاومة لأهواء النفس، فيعترف سفيان لمن فوقه بفضله، ويلفت من دونه إلى تأثير أصحاب السمو الروحي فيمن حولهم كما تؤثر الكواكب الدرية بضوئها الباهر فيما يلتف بها من كواكب لينتفع الناس بتجربته فيندفعوا وراء أطباء القلوب فيتأثروا تأثره وينتفعوا انتفاعه، وفي ذلك بلوغ مناه وري صداه وشفاء نفسه شأن أرباب القلوب الكبيرة وذوي الآفاق الواسعة الذين يحبون الخير للناس قاطبة ولا يحبون الخير مقصورا عليهم وحدهم كأكثر من نرى لهنذا العهد الذي تغلبت فيه الأنانية وأجدبت تربته من الكمالات الإنسانية، وأصبح النالس لا يتجاوزون بأنظارهم مواطيء أقدامهم، وضعف سلطان الروح، وقوي سلطان الحواس، وبذلك انقلب المجتمع الإنساني غابة ضواري كل فرد فيه لا هم له إلا أن يفترس وينشد:
"إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر"
أما في العهد الزاهر للإسىلام فقد كان الشعور بالأخوة العامة بين المسلمين، هو الشعور المتحكم في المسلمين والموجه لسلوكهم، وبذلك كان المسلمون وحدة