(بريد الشيطان) وتقوم إداره هذا البريد الشيطاني على الكلمة الجارجة ينقلها شيطان من الإنس بإيعاز شيطان من الجن فتندلع نار الفتنة وتنتشر في كل مكان، وتلتهم الأخضر واليابس، والقريب والبعيد، كل ذلك تفعله كلمة، مثلما يفعل عود واحد من الثقاب في غابة كثيفة، فإذا هي كومة من رماد.
إن عملا كهذا ذميما لا يقوم به إلا من سمته الآية زنيما- والزنيم ولد الزنا في قوله تعالى: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} وحسبه لؤما أن الله لم يصف أحدا في كتابه العظيم، بهذا الوصف الذميم، سوى من كان على شاكلته من كل {مشاء بنميم} ومن هنا قال ابن المبارك: (ولد الزنا لا يكتم الحديث) وأراد أن كل من يسعى بالنميمة فقد دل على أنه ولد زنا، وحسبه ذنبا أن الله سماه فاسقا- ولو كان صادقا- في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}.
وحسبه خسة أن يرضي لنفسه بمنزلة ناقلات الجراثيم من الذباب والبعوض والقمل بل أن حرصه على إشاعة الشر والفتنة لأشد من حرص ناقلات الجراثيم على إشاعة الأمراض والأسقام، بحيث أن النمام ينقل إليك ليسمع منك فينقل عنك ليجمع بين طرفي الفتنة، كما قال الحسن البصري: (من نقل إليك حديثا، فاعلم أنه ينقل إلى غيرك حديثك).
وأما من حيث الضرر وعموم الشر فقد قيل: إن عمل النمام أضر من عمل الشيطان، لأن عمل الشيطان بالوسوسة، وعمل النمام بالمواجهة.
ومما يحسن أن يروي في هذا الصدد: أن رجلا رآى غلاما يباع وينادي بأن لا عيب فيه إلا أنه نمام، فقال: هذا لا يضر، واشتراه، ولكن بعد أيام دارت في رأس الغلام فكرة، فجاء إلى زوجة سيده وقال لها: إن سيده أراد أن يتزوج عليها ثم يطلقها وقال لها: إن أردت أن تسلمي من ذلك، فاحلقي بعض شعرات من منتهي لحيته وأبقيها عندك، ثم جاء سيده وقال له: إن سيدتي تحب رجلا آخر وهي تريد أن تقتلك وتتزوجه، وإن كنت في شك من قولي، فتناوم لها فإنها ستأتي بالموس لتذبحك، وأثر كلامه في كلا الزوجين فجاءت المرأة بالموسى لتأخذ