بؤسهم ولا يصونون شرفهم، وفي ظل هذه البيئة الخانقة، وتحت تأثير هذا الجو المتسمم نشأت مأساة المرأة المسلمة، وإلى القارىء الكريم بعض الأمثلة التي ليست إلا ثمرة لهذه البيئة الخطرة: كانت تعمل خادمة في بيت إفرنجي فتاة مسلمة، فأراد ابن صاحب البيت أن يعتدي على شرفها فتأبت ولما عادت في المساء إلى أبويها بادرتهما بأنها لن تعود إلى العمل في ذلك البيت الظالم أهله، ولكن (سيدها الإفرنجي) ألح على أبيها في عودة الفتاة للعمل في بيته، وتحت هذا الإلحاح وتحت تأثير الضرورة، أجبر الرجل إبنته على الرجوع كارهة إلى تلك المباءة الآثمة، ولم تمض غير أيام قليلة حتى عادت الفتاة إلى أبيها وفي يدها ثوبها ملطخا بالدم، فرمت به إليه وقالت له: خذ شرفك!!
وهكذا نسلب بلادنا، ونحارب في لغتنا وديننا، ويعتدى على شرفنا وكرامتنا.
وروى لي أحد الإخوان عمن كان أحد طرفي المأساة قال: كنت أسير في أحد شوارع العاصمة (الجزائر) إذ بصرت بامرأة على حافة الطريق تبينت من ملامحها ونوع وقفتها إنها بسبيل عرض شرفها على مريد شرائه، وبأيسر إشارة تبعتني إلى أحد الفنادق التي أعدها (محضرو الشعوب وممدنوها لهذا الغرض الذميم) ولما خلوت بها ولم يبق بيني وبين وأد شرفها إلا مثل لمح الطرف إذا بي ألمح دمعة كبيرة تنحدر على خدها ولما سألتها عن علة هذا البكاء؟ أجابتني والنشيج يخنقها ويحبس أنفاسها: إنني لم أتعود ما ترى ولست من سالكي هذا الطريق، ولكنه الفقر والمرض والأولاد ياسيدي، إن زوجى يعاني مرضا أقعده عن كسب القوت ولي أولاد ليس لهم صبر على الجوع لأنهم صغار، فإن أردت أن تحفظ لي شرفي بعد أن عجزت عن حفظه وتحفظ حياة هؤلاء الأطفال وتصون كرامة هذا الزوج المريض فقد برهنت على أنك من معدن كريم، فشل كلامها كل حركة في جسدي بل أحسست أن كياني كله يتحطم، وقمت وكلانا طاهر الذيل عف الإزار موفور الكرامة، وتركتها بعد أن ناولتها ما كان معي من دراهم. فأي قلب له إحساس لا ينخلع لهذه المأساة، وأي مأساة كمأساة امرأة لها زوج ولها أولاد ولها دين ولها شرف تمتحن فيها كلها في لحظة واحدة، لولا أن الله رحمها في اللحظة الحاسمة فقيض لها إنسانا لا شيطانا، أو قلب لها الشيطان إنسانا؟