إن إصلاح الألسنة منوط بإصلاح القلوب، فهيهات أن تصلح الألسنة والقلوب فاسدة، وهل يستقيم الظل والعود أعوج؟ لأن اللسان ترجمان الجنان فلا ينطق اللسان إلا بما أملاه الجنان!
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما … جعل اللسان على الفؤاد دليلا.
وما أروع قول ابن المعتز: (الحكمة شجرة تنبت في القلب وتثمر في اللسان) وليس صلاح الألسنة في قدرتها على الكلام الكثير والتعبير الجميل فذلك قد يتاح لذوي القلوب الفاسد والنيات السعيئة وللذين يقولون ما لا يفعلون، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ليبغض هذه المظاهر الفارغة المتكلفة وينتهر أصحابها بمثل قوله: (إن أبغضكم إلي الثرثارون المتفيقهون) ولأن كثرة الكلام والمبالغة في توشيته وزخرفته قد تخرجانه عن الصدق والصواب، وتجران صاحبهما إلى ما يذم ويعاب، من النبز والهمز والاغتياب، ومن أجل ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والصفوة المختارة من هذه الأمة يتحامون الكلام جهدهم لأنهم- لتربيتهم الإسلامية السامية- يأنفون من أن يزيد قولهم على فعلهم، فهم لا يتكلمون إلا إذا رأوا في الكلام عملا صالحا يؤتي ثمرته عاجلا أو آجلا، لا يتكلمون إلا دعاة إلى الله آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر، لا يتكلمون إلا إذا رأوا حرمة الله تنتهك أو حدا من حدود الله يستباح، أو منكرا من المنكرات يرتكب، فليس صلاح اللسان كما نفهمه اليوم، زيادة في النطق وزخرفة في اللفظ، وإنما صلاح اللسان في النطق بما يليق وفي الصمت عما لا يليق، وهي الخطة القويمة