تذكرة

خيال مفزع مثير لا يبرح نصب عيني ولا أكاد أطمئن إلى نسيانه حتى ينتصب أمامي بارزا قويا يمض إحساسي ويهد كياني ويكاد يطفىء جذوة الأمل في نفسي.

ذلك هو خيال الفقير طريد المجتمع وغرض النوائب وثمرة الأنانية والشره، الذي أعاده إلى ذهني سريعا مما قاسته البشرية في هذه الأيام من برد شديد وزمهرير مبيد يكاد يشل الحركة في الأجسام ويجمد الدماء في العروق، وسرعان ما شكرت الله على حفظي للقرآن إذ ذكرت قوله تعالى في النار {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً} فقلت إذا كانت هذه النار تذكرة بنار جهنم، فلم لا يكون هذا البرد الشديد أيضا تذكرة ببرد أشد منه، ببرد الزمهرير الذي إذا استغاث أهل النار من حر النار أغيثوا به فيستغيثون منه إذ يرون النار أهون عذابا منه، وتذكرة أيضا ببرد الفقير الذي حرم الشعار والدثار وعدم الغطاء والوطاء، بل إن البرد لأولى بالتذكرة لأننا نحسه يسري في أبداننا سريان السم كلما أناخ الشتاء بكلكله على الأحياء، وإذا أحس بالبرد من استعد له بمضاعفة الأكسية والأغطية، فكيف حال من لا ثوب له إلا جلده ولا غطاء له إلا السماء؟

ولكن قلوب البشر ما زالت أقسى من الحجر رغم بعثة الأنبياء وجهاد العلماء وتضحيات الحكماء ما زالت الأنانية هي القائد والسائق، وما زال نداء الشهوات والأطماع هو النداء المسموع المطاع.

وإذن ففي هذا البرد تذكرة ولكن {لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} وفي الناس من يتذكر،

لكن {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} وللناس في هذا الكون آيات غير النار والبرد، لكن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015