إصلاح القلوب

إن الله الذي جعل الأرض تحيا بالمطر جعل القلوب تحيا بالموعظة، فلم بقيت الأرض تحيا بالمطر ولم تبق القلوب تحيا بالموعظة؟ ولم تقدم الناس في طب الأبدان ولم يتقدموا في طب القلوب؟ ولم يصيب أحدنا الألم اليسير أو الجرح الصغير فلا يقر له قرار حتى يلقى الطبيب، ويموت قلبه فلا يشعر به، فهل مرض البدن أخطر من مرض القلب، وهل يمكن أن يحيا البدن والقلب ميت؟ إنه لا ينفعنا أن نحيا وقلوبنا ميتة، فلم- إذن- كل هذا الزهد فيما لا صلاح لدنيا ولا لأخرى إلا به؟ لذلك لم تبق لنا دنيا ولا دين يوم أضعنا قلوبنا، ومما ساعد على موت هذه القلوب اصطدامنا: بهذه المدنية الزائفة التي تخدع بالطلاء وتغري بالبهرج وتعني من الحياة بجانبها المادي فقط، ولا تحسب للقلب والروح أي حساب، إن القلوب ماتت يوم ولدت هذه المدنية التي تستحل أن تقضي على أجهزة القلوب كلها في سبيل عبادة الجسد والوصول إلى سيادة المادة، وإذا صلحت هذه المدنية لأروبة التي لا دين لها فإفها لا تصلح للمسلمين الذين يجعلون لدينهم السيادة على كل شيء، إن هذه المدنية تعبد الصور، ولكن الإسلام لا ينظر إلى الصور، وإنما ينظر إلى القلوب والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم. وإن الإسلام جعل صلاح هذه القلوب وشفاءها ويقضتها في العكوف على مدارسة القرآن وتدبره، والله تعالى يقول: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} ولكن القرآن معنا ولا مقبل عليه ولا متدبر له فكيف تحيا قلوبنا وهي لا تستمد الحياة من مصدر الحياة ومنبع النور؟، وكيف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015