في مكاني ولأكونن في مكانك حتى آخذ نصيبي من الشمس كما أخذت نصيبك منها وتأخذ نصيبك من الظل كما أخذت نصيبي منه، فقلت: والله يا أمير المؤمنين لو قدرت أن أقيك يوم الهول بنفسي لفعلت، فلم يزل بي حتى تحولت إلى الظل وتحول هو إلى الشمس ووضع يده على عاتقي وقال: بحياتي عليك إلا ما وضعت يدك على عاتقي مثل ما فعلت أنا فإنه لا خير في صحبة من لا ينصف.
وكان لأبي حنيفة جار بالكوفه يغني في غرفته ويسمع أبو حنيفه غناءه فيعجبه وكان كثيرا ما يغني:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا … ليوم كريهة وسداد ثغر
فلقيه العسس ليلة فأخذوه وحبس، ففقد أبو خنيفة صوته تلك الليلة فسأل من غد عنه فأخبر فركب إلى الوالي فقال له: إن لي جارا أخذه عسسك البارحة فحبس وما علمت منه إلا خيرا، فأمر الوالي العسس بأن يسلموا إلى أبي حنيفة كل من أخذوه في تلك الليلة فأطلقوا جميعا فلما خرج الفتى دعا به أبو حنيفة وقال له سرا: ألست كنت تغني يا فتى كل ليلة:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا
فهل أضعناك؟ قال: لا والله ولكن أحسنت وتكرمت أحسن الله جزاءك،
قال: فعد إلى ما كت تغنيه فإني كنت آنس به ولم أر به بأسا، قال: أفعل.
وكان عبد الله بن المبارك في أسفاره ينفق على أصحابه ويخدمهم ويشتري
لهم التحف والهدايا ليقدموا بها على أهلهم وأولادهم إذا رجعوا إلى ديارهم ثم يصلح لهم منازلهم ويزخرفها ويحمل إليها كل ما تحتاجه، وليس هذا بغريب من مثل ابن المبارك، فقد كان أمة وحده وحسبه شهادة الإمام إسماعيل بن عياش إذ يقول: ما على وجه الأرض مثل ابن المبارك ولا أعلم أن الله خلق خصلة من خصال الخير إلا وقد جعلها فيه.
وكان علي يقول: من كانت له إلي منكم حاجة فليرفعها إلي في كتاب لأصون وجوهكم عن المسألة.