النظر المؤيد بالوحي، وإذا أحس من أحدهم فرقا منه أو هيبة أبدى له من التلطف والتحبب والتواضع ما يرده إلى اطمئنانه وهدوء باله.
أقبل أعرابي إلى مجلسه فجعل يرجف ويرتعد فزعا وهيبة فقال له: "هون عليك فإنما أنا ابن أمرأة كانت تأكل القديد بمكة".
وهذه المعاملة الطيبة والمعاشرة الحسنة هي التي أقامت المجتمع الإسلامي
لذلك العهد على أسس ثابتة ودعائم قوية من الواقع المحسوس المشاهد لأن التأثير بالقدوة أبلغ من التأثير بالقول فكان المسلمون يكونون بتآخيهم وتعاطفهم وتعاونهم أسرة واحدة رئيسها محمد صلى الله عليه وسلم، فكانوا بذلك على قلة عددهم قوة يخشى بأسها العالم ويحسب حسابها كل متجبر ظالم، وإذا أردنا أن نعرف جيدا قيمة حسن المعاملة فلنلق نظرة على المجتمع الإسلامي اليوم من هذه الناحية ثم لنقارن بعد ذلك بينه وبين المجتمع الإسلامي في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وفي عهد الخلفاء الراشدين، فبضدها تتميز الأشياء.
ولكن- للأسف- لا نجد مجتمعا إسلاميا وإنما نجد مأساة مروعمة تدمي
لرؤيتها القلوب، وتقذى لمشهدها العيون، تذهب لسوق الخضر مثلا فتجد المسلم يعامل إخوانه بالغش علانية فيريك نوعا ويبيعك آخر، فأنت لا تشتري إلا ما ترى وهو لا يبيعك إلا ما لا ترى، وهذا بيع فاسد لا يجوز شرعا بل هو سرقة في وضح النهار وليس ببيع ولكن الفرق بين هذا البائع وبين السارق أن السارق تضربه ولا يتكلم وهذا يسرقك فلا تستطيع أن تتكلم، بل إذا أردت أن تسب أو تضرب فتكلم. وتمشي في الشارع فلا ترى التخاصم إلا بين المسلمين ولا تسمع التشاتم والتلاعن إلا بين المسلمين. وتذهب إلى التاجر الأجنبي فتجد عنده اللطف والكياسة وحسن المعاملة، وتذهب إلى التاجر المسلم فتجد الغلظة والجفاء والغلاء وسوء المعاملة إلا من رحم ربك.
والمأساة المكشوفة أننا ندعوا إخواننا إلى التعامل مع المسلمين فتصدمهم هذه الأخلاق فيعودون إلينا يقولون قبل أن تدعونا إلى الشراء من تجارنا أدعوا تجارنا إلى حسن المعاملة معنا وإلا فإننا مضطرون إلى شراء بضائعنا من غيرهم تيسيرا علينا وتأديبا لهم.