هكذا يقول عليه الصلاة والسلام، وهو من الأحاديث التي تجعل الدين كله محصورا في شيء يراه قي الإسلام دعامة من دعائم دعوته وركنا عظيما من أركان رسالته كقوله: "الدين النصيحة" وكقوله: "الحياء هو الدين كله" فكأنه يقول لا دين لمن ساءت معاملته، وهو كذلك فليس الدين إلا حسن المعاملة مع الله والناس وحيث تسوء هذه المعاملة فلا دين، وقد رسم رسول الله صلى الله عليه وسلم صورة واضحة جميلة للمعاملة الحسنة بقوله وعمله، فمعظم أقواله دعوة إلى هذا الخلق الجامع كقوله: "رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا قضى وإذا اقتضى" وكقوله: "تهادوا تحابوا" وكقوله: "افشوا السلام تسلموا" وكقوله: "من دعي إلى وليمه فليجب" وكقوله: "المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه" وكقوله: "إذا كنتم ثلاثة فلا يتناج اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس من أجل أن ذلك يؤلمه".
وهكذا فمعظم أقواله صلى عليه وسلم تفسير لقوله: "الدين المعاملة" وكذلك أعماله وسيرته فقد كانت أجمل صورة لهذه المعاملة، إذ كان برا بأصحابه حفيا بهم يكرمهم ويحسن معاملتهم إذا حضروا، ويسأل عنهم ويزورهم إذا غابوا، وإذا لقيهم بدأهم بالسلام، ويدفع عنهم الكلفة فيمازحهم وينهاهم عن القيام له، وما أعظم تلك الكلمة التي قالها وقد رآهم قاموا له يوما "لا تقوموا إلي كما تقوم الأعاجم يعظم بعضها بعضا".
أي معاملة كهذه المعاملة؟ وأي عظمة كهذه العظمة، وأي درس للمغرورين والأنانيين كهذا الدرس؟ بل لقد كان يشعرهم دائما أنه كواحد منم لا يمتاز عنهم إلا بالرسالة، وقد كان يشاورهم في المهمات ويستعين بآرائهم وهو الراجح العقل البعيد