وهذا الحرمان في الدنيا يعقبه حرمان أشد منه في الآخرة على ما حرم نفسه وإخوانه من نعمة هذا المال، فهو جزاء من جنس العمل، فأي بلاء كبلاء هؤلاء الأغنياء البخلاء الذين يعيشون فقراء ويعذبون في الآخرة فوق عذابهم في الدنيا لأنهم لم يشكروا الله على نعمته ولذا يقول علي بن بأي طالب رضي الله عنه: "يعيش البخيل في الدنيا عيش الفقراء ويحاسب في الآخرة حساب الأغنياء" وكأنه في هذا المعنى ينظر إلى قوله تعالى: {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ}.
أيها المسلمون: ها هو شهر محرم يهل هلاله وهو شهر زكاة أموالكم، وها هو الامتحان السنوي في أموالكم يعود إليكم فيجب أن تخرجوا من هذا الامتحان بالفوز والنجاح وهو التغلب على طبيعة الحرص فيكم، واعلموا أنما أموالكم فتنة فلا يفتنكم الشيطان ولا يدخل عليكم من هذه الثغرة {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} واعلموا أن لكم شيطانين: الشيطان الذي أخرج أبويكم من الجنة، وشيطان الاستعمار الذي حرمكم جنة بلادكم ولم يترك لكم فيها إلا حظ الخدم فأنتم وأموالكم وأوطانكم ملك له، الشيطان الأول يغريكم بالبخل فيما يحييكم وينهض بكم من عثرتكم، والشيطان الثاني يعزيكم باتلاف مالكم وتبديد ثروتكم فيما فيه هلاككم وفناؤكم وذهاب ريحكم، إن الاستعمار الذي وكل بكم ينصب لكل درهم من دراهمكم فخا ويضع لكل حاسة من حواسكم شهوة تتسرب منها أموالكم وتفسد بها أخلاقكم وتتسمم بها صحتكم، فجعل لعيونكم شهوة التمثيل الداعر والرقص الفاجر، ولآذانكم الغناء البديء والإذاعة البغي، ولأنوفكم الحشيشة المسممة، ولأفواهكم الخمر المبيدة ولغرائزكم الجنسية مؤسسات البغاء والعار والخنى، كل هذه البليات بالوعات لأموالكم وجراثيم لصحتكم وآفات لأخلاقكم، فباستيلائه على أموالكم يقص أجنحتكم وبتسميمه لصحتكم يشل حركتكم وبإفساده لأخلاقكم يقضي على حياتكم:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت … فإن هم ذهبت أخلاقكم ذهبوا
أيها المسلمون: ها هو العام يدور دورته وها هو يعود إلى الوجود رأس السنة الهجرية وشهر الاشتراكية الحقيقية وموسم التضامن العملي وميقات تطهير النفس من رذيلة الشح {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} فحاسبوا أنفسكم