لا أبالغ إذا قلت: إن المال طريق الاستقلال، وأن الزكاة في الإسلام تجنيد للمال في معركه الاستقلال، وما أبلغ تلك الكلمة التي جاءت في مقال لمصطفى صادق الرافعي في استنهاض همم العرب لنجدة فلسطين وإنقاذها من الإستعمار اليهودي إذ قال: "كل قرش يدفع الآن لفلسطين يذهب إلى هناك ليجاهد هو أيضا" ولا عجب أن يقدم الله جهاد المال على جهاد النفس كلما عرض ذكر الجهاد في القرآن، لأن الحرب لا تقوم على الملاكمة ولا التناطح بالرؤوس، وأنما قيامها آلات ومدمرات ومؤن وذخائر، وإعداد هذه الأشياء يحتاج إلى أموال طائلة، فإذا شحت الأمة بها فهو الآنهزام الأول الذي لا تقوم لها من بعده قائمة، وهو الهلاك المحقق الذي حذر الله منه هذه الأمة وجعله نتيجة شحها وعدم إنفاقها في سبيل الله إذ قال: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} بعد قوله {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} حذر منه صلى عليه وسلم إذ قال: من حديث: "ثلاث مهلكات، شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه" فالشح مهلك، والوقاية منه فلاح، {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ولذا عد الله مخرجي الزكاة من الذين شهد بفلاحهم إذ قال: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} الآية.
ولكن الإنسان يسمع لوسوسة الشيطان أكثر مما يسمع لإرشاد القرآن، فهو
ما يزال به يغريه بالبخل ويخوفه الفقر {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ} حتى يجعل المال أحب إليه من نفسه ومن ولده ومن أمته، فيخرج من دنياه محروما من ماله لم ينفقه على نفسه ولم يجد به على إخوانه ولم يعلم به أبناءه ولم ينفع به أمته، ولم يكسب به رضا ربه،