تدفق المسلمين عليهم من كافه بقاع العالم الإسلامى لاستجابة لدعوة جدهم إبراهيم عليه السلام إذ قال: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}

- الأول: كيف بك لو علمت أن كثيرا من هؤلاء لم يكن حجه واجبا لأنه قد حج الواجب والسنة والمستحب، ولم يبق له إلا المكرره أو الحرام، نعم الحرام. لأن السنة إذا عاقت عن أداء الواجب كانت حراما، وهؤلاء الذين يحجون للسنة بعد أداء الحج الواجب ألا نحتاج أموالهم لأمور أخرى واجبة وجوبا تتوقف عليه حياة الأمة وتتكون منه الخطوط الأولية لسعادة البلاد، كالتعليم بكافة فروعه ومراحله وكيف وهؤلاء- إلا القليل منهم - لا ينتفعون بحجهم لأنهم لا يعرفون من الحج إلا مظاهره وشكلياته التي لا توقظ شعورهم ولا تهذب سلوكهم ولا تغير من نفوسهم شيئا- بل على العكس- رأينا الكثير ممن عاد من حجه أحرص ما كان على الدنيا وأزهد ما كان في نفع أمته.

أما أن يذكروا بالحج ما كان لهم من مجد في هذه الدنيا نبتت أصوله في

تلك التربة الكريمة، وأشرقت شمسه من ذلك الأفق الحبيب، كيف سعدت تلك البقاع الطاهرة بمولد الإسلام في رحابها كيف كانت موطئا لأقدام نبي الإسلام وأصحابه الأعلام الذين حملوا مشعل الهداية إلى سائر الأنام، وركزوا في كل موضع من العالم راية الإسلام، وأن هذا كله لم يبق منه للمسلمين إلا لهفة الذكرى في كل عام، وإنه يجب التفكير في عودته، وأن المسلمين- لذلك- يجب أن يتصل بعضهم ببعض من مختلف الجهات والبقاع ويتفاوضوا فيما بينهم ويتدارسوا مشكلاتهم، ويعودوا إلى بلدانهم لتحقيق ما أجمعوا عليه، فهذه كلها أمور لا تخطر لهم على بال.

وطال الجدال بين الشابين بحيث لم يسعني وقتي لسماع بقية الحديث.

والعبرة التي نستخلصها من موقف الشابين هي أن المسلمين أصبحوا يشعرون بحالهم ويهتمون بمشاكلهم، وأن هؤلاء الحجاج يجب عليهم أن يعرفوا الواجبات الأخرى ولا يقتصروا على الحج وحده، ومن أدى الحج الوجب فالأولى له أن لا يحج

طور بواسطة نورين ميديا © 2015