والاستكانة والجبن والكسل والتحلل، ثم تغرس في نفوس أضدادها من الفضائل حتى ينشأ جيل مسلم متسلح بالأخلاق المتينة القويمة، فينشئ بها حياة جديدة عزيزة منيعة، ولا سبيل إلى ذلك إلا التربية الدينية والرياضة الروحية من طريق التعليم المدرسي الأول ثم المحاضرات الجامعة المتكررة والدروس الأخلاقية المنظمة والخطب الجمعيه ثم المقالات.

أعجب العجب أن تكون عندنا هذه الهداية ونضل، ومعنا هذا الدواء ونمرض، ولكن ماذا ينفع المريض إذا كان الدواء في رحاله ولم يستعمله؟ وكذلك حالتنا، إن معنا القرآن ولكننا لا نفهمه فإذا فهمناه فلا نعمل به، ومعنا سيرة محمد صلى الله عليه وسلم ولكننا لا نستغلها، ومعنا هذه الكنوز من كلام السلف وأعمالهم وآثار أعمالهم، ولكنا لا نقتدي بهم فيها، وإن في إشارة الأستاذ سحنون لها على هذا النحو من التحليل والتنزيل لبشارة بأنه ما تزال فينا بقيه تهدي، وستكون من ورائها بقايا تهتدى، إن الخير هو وجود رأس المال وخير الخير أن يستغل، وكمال الخير أن يعرف صاحبه كيف يستغله، وكيف يتصرف فيه وأين يضعه.

لقد قام الفوج الأول من رجالنا الذين شيدوا جمعيه العلماء بهدم الضلال والباطل هدما شغلهم عن كل شيء، ولكنهم قاموا بالك ومعهم زاد عظيم من الذخائر الخلقية الإسلامية تعاون على تثبيتها فيهم الفطرة السليمة والتلقين المحكم، ولو اعتمدوا على علمهم الغزيز وبيانهم البليغ وحدهما لما نجحوا في هدم الضلال العريق والبدع المستحكمة، أما هذا الجيل الناشئ في معمعان الحركة فقد فتح عينيه في غبار المعركة، وشهد مراحل الإنتصار ولكنه لم يفقد أسباب النصر وأسلحته النفسية، فظن أن ذلك الهدم هو الغاية وأن معاوله هو العلم والبيان، فالتفت اليهما وسعى في تحصيلهما، وغفل عن السلاح الحقيقي للهدم والبناء معا، وهو قوة الروح ومتانة الأخلاق واستكمال الفضائل، وإن الهدم ليس مقصودا إلا للبناء، وإن البناء لا يتم إلا بوسائله الصحيحة وأدواته، وإن القدوة على الهدم ليست دليلا على القدرة على البناء، وإن أسلافنا ما أعلوا ذلك البناء الشامخ للإسلام إلا بعد أن بناهم الإسلام على فضائله وطبعهم على أخلاقه وهيأهم للاستخلاف في الأرض.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015