لا أطيق الإغضاء عنه أو السكوت عليه، وأرجو مخلصًا أن يتداركه بنفسه في الطبعات المقبلة, وإن هذا العيب ليتمثل في تهاونه بأقول المتقدمين، وندرة عزوه الآراء إلى أصحابها، واستخفافه برد الشواهد إلى مراجعها ومظانها، كأن كتبه محاضرات عجلى لا مباحث مدروسة، أو كأنها مجموعة ملاحظات, ليس فيها تحقيق للنصوص، ونقد للوثائق، وموازنة بين المذاهب، مع أن اللغة، ولا سيما العربية، لا تدرس إلّا من خلال النصوص، فهي أصوات تسمع ثم تحفظ، ثم تنقد، وهي بذلك -كعلوم الدين- لا ينقل شيء بغير دليل يثبته، أو رواية تشهد له، أو برهان يقوم عليه.
ولو صبر الدكتور أنيس على كتبه هذه صبرًا أجمل، ومنحها وقتًا أطول، ثم لمَّ شتاتها بنفسه في كتاب واحد جامع منقح غني بالمصادر الأصلية الأساسية، لأدى في هذا العصر أجلَّ خدمة لعلماء العربية، فما من شك في انطواء بحوثه على آراء أصيلة, إن فاتها الصواب أحيانًا لم تفتها الجراءة، وإن أهملت فيها النصوص غالبًا, عوض إهمالها صلاح المنهج الذي أشهد بحرارة أنه دفع الدرسات اللغوية إلى الأمام قرونًا وأجيالًا.
وفي كتاب الزميل الفاضل الأستاذ المبارك "فقه اللغة", الذي تمَّ طبعه خلال هذا العام في مطبعة جامعة دمشق، نظرات ثاقبة، وآراء في العربية ناضجة, حرصنا على الإفادة منها أيضًا في "دراساتنا" هذه، لكنها لم تبرأ مما يؤخذ على مؤلفات الدكتور أنيس, فلقد يخيل إلى القارئ أن الأستاذ المبارك لا يبالي بالنصوص القديمة كثيرًا، فما يذكرها إلّا قليلًا, ونادرًا ما يعزوها في الحواشي إلى أصحابها، مع أن الأستاذ