المبارك -كما يعلم إخوانه وصحبه- من أوثق الناس صلة بالقديم، وحسبه فخرًا أنه في هذا الباب تلميذ أبيه المرحوم العلامة عبد القادر المبارك, على أن الزميل الكريم قد أوضح في مطلع كتابه أنه: "لم يعمد إلى حشد الشواهد الكثيرة من المصادر العربية القديمة، ولم يأخذ منها إلّا ما احتاج إليه للاستشهاد, أو لبيان ما سبق إليه علماؤنا من نظرات نافذة, أو إبداع في البحث", فكان منه هذا أشبه بالاعتذار عما لم يحبه لنفسه من إغفال النصوص، وكاد هذا منه يشي بما آمن به في قرارة نفسه من وجوب الاستشهاد بتلك النصوص.
ولو وضعنا في ميزان النقد مقدمة العلايلي لدراسة لغة العرب لألفيناها -رغم تعاقب الأعوام عليها- ما تنفك تغني المبحث اللغوية بمدد غير ممنون، إلّا أن العلايلي حاول أحيانًا أن يجدد وهو في عالم خلقه لنفسه بمعزل عن القدامى والمحدثين، فنمَّ تجديده عن فكره الثاقب, ونظره البعيد، ولو تجافى عنه لسان العرب المبين!
أما كتاب الدكتور تمام حسان "مناهج البحث في اللغة"، وكتابه الآخر "اللغة بين المعيارية والوصفية"، فقد جاءا آيتين في الدقة والتقصي فيما صورا من المذاهب الحديثة في بحوث اللغة، وإن فيهما لجهدًا مشكورًا في رد طائفة من تلك المذاهب إلى مبتدعيها, ومحاولة ناجحة أحيانًا في المقارنة بين العربية واللغات الحية من خلال ما استحدث العلماء من مناهج، ولكن في الكتابين عيبًا أجسم من عيوب الكتب العصرية السابقة، فكثيرًا ما يدخل الدكتور حسان الضيم على العربية وهو يطبق عليها ما أتقنه من المناهج الغربية، ماسحًا بذلك أصوات العرب في رموز وطلاسم "اسشراقية", فيها من عجمة الدخيل ما لا يطاق!