ولم يكن ينقذني من هذه الحيرة إلّا أن أقول للسائلين: من أفض الكتب القديمة إن التمستم كثرة النصوص وسعة المعلومات "المزهر" للسيوطي، ومن أجود الكتب العصرية إن رغبتم في تبويب اللغة على المنهج الحديث "فقه اللغة" و"علم اللغة" للدكتور علي عبد الواحد وافي.
لكن الطالب الذكيّ لم يكن يخفى عليه أن جوابي إلى التهرب أقرب, فمن أراد أن يتذوق فقه اللغة علمًا مستقلًّا قائمًا برأسه, لن يجد طلبته في "المزهر" مهما يجمع من أبواب اللغة، ولن يشفي غلته ما جمعه الدكتور وافي ونسقه منذ أكثر من عشرين عامًا، وإن أطرى مجمع القاهرة يؤمئذ كتابيه.
إن كتبًا حديثة أخرى تتناول أبحاثًا لغوية عميقة، قد ظهرت في العواصم العربية، ولا سيما في القاهرة، فهلّا أحلنا الدارسين على أحدها، وارتضيناه كتابًا جامعًا، وإمامًا هاديًا؟
تلك أبحاث الأستاذ المحقق الدكتور إبراهيم أنيس؛ أليس فيها كتاب واحد جامع مستوفٍ للشروط؟ إن يك في كتابه عن "اللهجات", أو في مؤلفه عن "الأصوات اللغوية", أو عن "دلالة الألفاظ", أو عن "موسيقى الشعر" ضرب من الاختصاص في عرض لونٍ معين من موضوعات اللغة، فما بالنا لا نعد كتابه القيم "من أسرار اللغة" بحثًا في خصائص العربية، والخصائص -كما يعلم كل لغوي- أهم مباحث فقه اللغة.
إنني -على إجلاللي للدكتور إبراهيم أنيس، وتطلعي إلى الإفادة من كتبه، كما تَنمُّ عن ذلك "دراساتي" هذه، أرى في جُلِّ مباحثه عيبًا