على الناس1، ورأينا كثيرًا من الباحثين -بعد ليبنز- ينكرون القول بأصل اللغات، وينادون باستحالة الوصول إلى نتيجة قطعية تبين الصورة التي بدأ الإنسان يتكلم عليها؛ فهناك لغات تنتسب إلى تواريخ منها القديم، ومنها الأقدم, ونحن نعرف بعض لغاتنا الحديثة في صور قديمة ترجع إلى أكثر من عشرين قرنًا, ولكن أقدم اللغات المعروفة، اللغات الأمهات كما تسمى أحيانًا، لا شيء فيها من البدائية، ومهما اختلفت عن لغاتنا الحديثة فإنها لا تفيدنا علمًا بالتغيرات التي طرأت على الكلام، ولا تدلنا على شيء من كيفية نشوئها"2.
لقد بات لزامًا علينا تجديد البحث في فقه اللغة، فليس يعنينا أن نتقصى أصل اللغة الغامض المجهول، وليس علينا أن نعلل كل صوت لغوي, أو رمز دلالي, أنه على وجه الحكمة كيف وقع، وبأي لغة ينطق، بل يعنينا أن نتابع التطور اللغوي كيف حدث؟ بعد إحصائه واستقرائه وملاحظته, ومقارنة بعض مظاهره ببعض، وعلينا أن نبدأ بجمع ما يمكننا من المعلومات عن اللغات الإنسانية المختلفة لنخرج أخيرًا بالسنن العامة والقوانين الثابتة في علم اللغة العام؛3 وفي ضوئها نحدد خصائص لغتنا المدروسة بطريقة وصفية استقرائية؛ كصنيعنا هنا في فقه اللغة العربية.
وإنّ هذه الطريقة الوصفية لتفرض علينا الاعتراف بحقيقةٍ لا يمكن نكرانها: وهي أنه لم يعثر قط على قبيلة لا لغة لها، "وأن المتوحشين أنفسهم ليسوا بدائيين، رغم الإسراف في تسميتهم بهذا الاسم في غالب