الأحيان، فهم يتكلمون أحيانًا لغات على درجة من التعقيد لا تقل عما في أكثر لغاتنا تعقيدًا، ولكن منهم من يتكلم على درجة من البساطة تحسدهم عليها أكثر لغاتنا بساطة, فهذه وتلك ليست إلّا نتيجة تغيرات تغيب عنا نقطة البدء التي صدرت عنها"1.

ومن يقرر هذه الحقيقة المتلعقة بلغات المتوحشين، ولا يستبعد أن يكون لتلك اللغات وخصائصها بساطة أو تعقيدًا، وتطورًا أوجمودًا، ولا يسعه أن يغض النظر في دراسة فقه العربية عن أخواتها من اللغات السامية؛ لأنها -فضلًا على أنها كانت رموزًا لحضارات سابقة- لم تنفصم العرى الوثيقة التي ظلت آمادًا طوالًا تربط بين بعضها وبعض في أغمض ظروف التاريخ.

وإن تعجب فعجبٌ تغافلُ علمائنا القدامى عن هذ القضية البديهية، مع أن كثيرًا منهم أشاروا في مواطن مختلفة إلى بعض اللغات السامية؛ كالعبرية والسريانية، بل عرف بعضهم اليهود والسريان واتصلوا بهم، وأفادوا إفادة خاصة من نقل السريان فلسفة اليونان إلى العربية.

ولعل للعصبية العمياء دخلًا في هذه النظرة العجلى إلى الحقائق والأشياء، فهم لا يريدون أن يقارنوا لغة القرآن بأية لغة أتيح لهم أن يلموا بها؛ لأن لغة العرب بزعمهم أشرف اللغات؛ ولو أرادوا ذلك ما استطاعوا إليه سبيلًا، فما تيسّر للباحثين في العصور الوسطى أن يتناولوا اللغات بالدراسة التاريخية المقارنة، وإنما ظهرت تلك الدراسات بعد عشرة قرون أو أكثر.

أنّى لهم إذن أن يكتشفوا خصائص العربية على حقيقتها؟

أنّى لهم أن يروا رأي العين أن العربية هي "أشد اللغات السامية احتفاظًا بمقومات اللسان السامي الأول، فقد نشأت غالبًا في موطنها القديم، لم تحل محل لغة أخرى غير سامية, كما حدث لسائر اللغات السامية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015