وأيا ما كان الأمر، فإن ملك الحارث لم يستمر طويلا في العراق، فما هو إلا أن مات قباذ في عام 531م، وآل أمر الفرس إلى "كسرى أنوشروان" "531-589م"، حتى اتخذ العاهل الجديد سياسة مناهضة للمزدكية، فقتل "مزدوك" وصلبه، كما قتل كبار أصحابه غدرا، ثم تتبع الزنادقة من المزدكية في كل أرجاء الإمبراطورية الفارسية، حتى قيل إنه قتل منهم في يوم واحد مائة ألف، وحتى قيل أنه اتخذ من هذا اليوم لقب "أنوشروان" أي "الروح الطيبة"، ثم طرد الحارث الكندي، وأعاد المنذر الثاث على عرش الحيرة، ربما بسبب المزدكية، وربما بسبب سياسية الحارث الكندي نفسه، إذ يبدو أن الرجل قد لجأ في أخريات أيامه إلى إيجاد علاقات طيبة بينه وبين الروم، مما كان سببا في قضاء كسرى أنوشروان على سلطته في الحيرة1.

على أن المنذر الثالث، سرعان ما تتبع الحارث الكندي وأهله، حتى أسر اثني عشر أميرا من بني حجر بن عمرو، ثم قتلهم في دير بني مرينا -بين دير هند والكوفة- وإن كانت هناك رواية أخرى تذهب إلى أن المنذر قد لحق بالحارث في أرض كلب، فهرب الحارث تاركا ماله وإبله فانتهبها المنذر، وأسر ثمانية وأربعين من بني آكل المرار -من بينهم عمرو ومالك ولدى الحارث- فأمر المنذر بهم فقتلوا في ديار بني مرينا2، على أن رواية ثالثة تذهب إلى أن الذين قتلوا الحارث إنما هم بني كلب، بينما تذهب رواية رابعة إلى أنه مات حتف أنفه بعد مطاردة لتيس من الظبا، دامت ثلاثة أيام، حتى إذا ما تمكن منه شويت له بطنه، فأكل فلذة حارة من كبده فمات، ثم دفن في "بطن عاقل"3 وإن ذهب "أوليندر"4 إلى أن هناك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015