وليس هناك من شك في أن "الحيرة" مدينة قديمة، وإن كنا لا نعرف تاريخها على وجه التحقيق، ولعل أقدم ما وصلنا عنها إنما هي كتابة ترجع إلى عام 132م، ذكرت فيها المدينة تحت اسم "حيرتا"، فإذا كانت "حيرتا" هذه، إنما هي "الحيرة" حقا، فإن أقدم ما نعرفه عنها إنما يرجع إلى عام 132م1، ولعل مما تجدر ملاحظته هنا أن الحفريات لم تقدم لنا شيئا يمكن الاعتماد عليه فيما يتصل بموقع المدينة وتاريخها، وأن كل ما وصلنا لا يعدو نقوشا من الجبس مما تكسى به الجدران، فضلا عن مجموعة من الجرار وآثار صغيرة، بعضها يرجع إلى ما قبل الإسلام، ويرجع بعضها الآخر إلى العصر الإسلامي2.
وقد اختلف المؤرخون في تفسير اسم "الحيرة" ومصدر اشتقاقه، فهناك رواية تذهب إلى أن "تبان أسعد أب كرب" كان قد خرج من اليمن يريد الأنبار، فلما انتهى إلى موضع الحيرة ليلا تحير، فأقام مكانه، ومن ثم فقد سمي ذلك الموضع "الحيرة"3، وتذهب رواية أخرى إلى أن "تبعا الأكبر" قد ترك ضعاف جنود في ذلك الموضع، وقال لهم "حنروابه" أي أقيموا به4. هذا ويذهب العلماء المحدثون إلى أن كلمة "الحيرة" إنما هي كلمة "أرامية" وأنها "حرتا" "حرتو" السريانية الأصل، بمعنى "المخيم أو المعسكر" وأنها تقابل "المعسكر" عند المسلمين، و"حاصير" عند العبرانيين5.
على أن هناك من يرى أن الحيرة الآرامية، والحير العربي، إنما هما من أصل سامٍ واحد، ذلك أن المضرب والمعسكر والحمى، إنما هي ألفاظ يدل أصلها على