كان العرب منذ قديم الزمان يهاجرون إلى تخوم شبه الجزيرة العربية الشرقية، حتى إذا ما وصلوا إلى وادي الفرات أقاموا في ربوعه، وفي أوائل القرن الثالث الميلادي، وإبان الاضطرابات التي أعقبت سقوط الأسرة البارثية وقيام الأسرة الساسانية في حوالي عام 226م، تحت زعامة "أردشير بن بابك بن ساسان" وفدت طلائع عربية جديدة من قبائل تنوخ اليمنية، وسكنت في المنطقة الخصبة الواقعة إلى الغرب من الفرات، وما أن يمضي حين من الدهر حتى تحولت الخيام إلى مدينة عرفت "بالحيرة"، تحولت بمرور الأيام إلى إمارة الحيرة- وراء نهر الفرات عند منعطفه نحو دجلة، واقترابه منه على مبعدة خمسين كيلو مترا- التي أصبحت بمثابة حصن للملك الفارسي حيال العرب الرحل1.
على أن هناك من يرجع بتاريخ المدينة إلى أيام الملك البابلي "نبوخذ نصر" "605-562ق. م" طبقا لرواية سبق لنا مناقشتها في هذه الدراسة2- بينما يرى آخرون أن مؤسس الحيرة إنما هو "الأردوان" ملك الأنباط3، بينما يذهب فريق ثالث إلى أنها من بناء "تبع أب كرب"4، وأخيرًا فهناك من يرى أنها مدينة بارثية5.