وأخذت الزباء إلى حمص، وهناك عقد مجلس لمحاكمة الملكة العربية العظيمة ورجال بلاطها، وتذهب بعض الروايات إلى أن الزباء قد تنصلت عن مسئوليتها عما حدث، فضلا عن اعترافها بأنها لم تكن إلا الاحتقار لأمثال جالينوس وكلوديوس، ولكنها تعترف لأورليان وحده بأنه ملك فاتح، إلا أن كثيرا من المؤرخين ينكرون هذه الرواية التي لا تتفق وما كانت عليه الزباء من سمو الأخلاق، فضلا عن الكرم والشجاعة والثقافة، وأيا ما كان نصيب هذه الرواية من الخطأ والصواب، فإن أورليان قد أمر بإعدام بعض رجال الزباء، وإن كان قد أبقى عليها، هي وابنها "وهب اللات" "الذي ذهبت الروايات إلى أنه قتل في ميدان القتال"، بغية إلحاقهما بموكب النصر، الذي سوف يقيمه عند دخوله روما، عاصمة الإمبراطورية الرومانية1.
وجاءت الأنباء إلى قيصر، وهو في طريقه إلى روما، بثورة عاتية في تدمر، وأخرى في مصر، وهنا لم يتردد "أورليان" لحظة في أن يتولى وجهه شطر سورية، وروعت أنطاكية لعودة الأمبراطور على عجل، وأحست تدمر وطأة حنقه الذي لا يمكن دفعه، وهناك رسالة يعترف فيها أورليان بأن الشيوخ والنساء والأطفال والفلاحين لم ينجوا من العقاب الرهيب، الذي كان خليقا بأن يقتصر على المتمردين المسلحين، وبعد أن أشبع أورليان نهمه الدنيء من التدمريين، أمر بالكف عن المذابح وترميم معب الشمس، إلا أن المدينة كانت قد فقدت كل عظمتها القديمة، وأخذ رماة السهام وقواسي تدمر ليعملوا في خدمة الجيش الروماني في إفريقيا، وحتى في بريطانيا2.
وهكذا أخذت تدمر تتوارى في الظلام، حتى أنها غدت على أيام "دقلديانوس" "284-305م" بمثابة قرية صغيرة، وقلعة من قلاع الحدود، وطبقا لرواية "ملالا" فإن "دقلديانوس" قد ابتنى فيها "Castra"، بعد أن تم صلح بينه وبين الفرس، كما يشير الأب "سبستيان رتزقال" إلى أنه فعل بنصارى تدمر، ما فعله بإخوتهم في كل أقاليم الإمبراطورية3.