القتال، والشجاعة عند لقاء العدو، فإذا ما كان عندها فراغ من وقت، قضته -كما كان يفعل أذينة- في صيد وحوش الصحراء الكاسرة، كالأسد والدب والنمر.

كانت طموحة أريبة ذات سبق في مضمار السياسة، تبت في الأمور بحزم وحكمة، بدلا من أن تتردى في حمأة الأهواء التافهة، التي كثيرا ما تشوب حكم النساء، فإذا كان الأوفق أن تعفو وتصفح، استطاعت أن تحد من غضبها وتخفف من غلوائها، وإذا كان لزاما أن تبطش، استطاعت أن تخرس نداء الشفقة والرحمة، وكانت مثقفة، لم تكن تجهل الاتينية، ولكنها كانت تجيد اليونانية والسريانية والمصرية بنفس القدر، وهي لغات المثقفين في ذلك العصر، كما ألفت أن تعقد موازنة بين روائع هوميروس وأفلاطون تحت إشراف "لونجينوس"، وأن تعيش في قصرها على نظام بلاط الأكاسرة، إذ كان حاشيتها تحييها بالسجود، حسب الأسلوب الفارسي1.

وأيا ما كانت المبالغة في ذلك كله، فالذي لا شك فيه أن تلك المرأة كانت خيرب خلف لزوجها البطل، وأنها منذ أعلنت نفسها ملكة على الشرق- مستخفة إلى حين بالإمبرطورية الرومانية- بدأت تعمل على تكوين دولة عربية قوية تحت زعامتها، بخاصة وأنها أدركت بفطتها السياسية أن أعداء تدمر، إنما هم الرومان، والذين لا يفكرون إلا في مصلحة روما فحسب، ومن ثم فقد بدأت تتقرب إلى العناصر العربية المستوطنة في المدن، فضلا عن الأعراب الذين كانت ترى أنهم عمادها في القتال وسندها في الحروب، إلا أن الرومان كانوا أسرع منها، فقضوا على آمالها قبل أن تتحقق، بل واحتلوا تدمر نفسها2.

وكانت بداية النزاع بين الزباء والرومان، يوم أرسل "جالينو" بجيش لاحتلال تدمر والقضاء على الزباء، قبل أن يستفحل خطرها، متظاهرا بأنه يريد محاربة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015