والقصة في صورتها الراهنة لطيفة، ولكنها بعيدة عن الحقائق التاريخية، فقد جمع الأخباريون فيها كل ما عرفوه من أساطير الشرق القديم، كقصة تحوتمس الثالث "1490-1436ق. م" وفتح يافا، وكقصة عدي مع أخت جذيمة1، هذا فضلا عن قصة وفاة الزباء مسمومة، وصلتها بقصة كليوبترا ملكة مصر، أضف إلى ذلك أن الصنعة واضحة في الأمثال التي نسبت في القصة إلى جذيمة وقصير والزباء وعدي وابنه عمرو، وأخيرا فالثابت تاريخيا أن الزباء قد حملت أسيرة إلى روما بعد استيلاء الرومان على تدمر -كما سوف نرى فيما بعد.
على أن الغريب من الأمر حقا، ذلك الإغريق في رواية الأساطير، من جانب المؤرخين المسلمين، وفي نفس الوقت، ذلك التجاهل غير الطبيعي منهم، لدور "الزباء" الفذ في تاريخ الشرق القديم في تلك الفترة، بل إننا نرى في نفس الوقت كذلك، إطنابا في مدح الفرس لا يتفق وحقائق التاريخ، بل هو مديح لم يقل مثله مؤرخوا الفرس أنفسهم -الأمر الذي نراه كثيرا من المؤرخين المسلمين، وبصورة واضحة، حين يتحدثون عن تاريخ اليهود- وربما كان السبب في ذلك أن مصادر المؤرخين الإسلاميين- وبخاصة في تاريخ مصر وسورية والعراق فيما قبل الإسلام- إنما هي مصادر فارسية ويهودية في الدرجة الأولى، وهي مصادر لا يمكن أن توصف بأقل من أنها متحيزة لأصحابها، وأن الأخباريين إنما كانوا -في أغلب الأحايين- يتساهلون في نقل أخبارهم عن عصور ما قبل الإسلام بدرجة ملفتة للنظر، بل إن الواحد منهم إنما كان ينقل من أخبار عن يهود أو فارس، دونما تعقيب أو تعليق، وكأنها حقائق ترقى فوق مظان الشهات، وإن كان الأمر غير ذلك تماما بالنسبة إلى المصادر اليونانية والرومانية2.
وأيا ما كان الأمر، فهناك روايات يفهم منها أن الزباء إنما كانت تزعم أنها مصرية، من سلالة كيلوبترا، وأنها كانت تتحدث المصرية بطلاقة، وقد ألفت كتابا في التاريخ -وبخاصة في تاريخ مصر- خطته بيدها3، وأنها كانت مثقفة