الحديث الشريف: " الإسلام يهدم ما قبله "، ومن ثم فقد انصرف العلماء عن الدراسات المتصلة بالجاهلية، مما أدى آخر الأمر إلى ضياع الكثير من أخبارها، وبالتالي نسيانها، وإلى ابتداء التاريخ عند المسلمين بعام الفيل1.
وإني لأظن -وليس كل الظن إثمًا- أن أصحاب هذا الرأي قد جانبهم الصواب إلى حد كبير، فالحديث الشريف إنما كان ردًّا على أسئلة بعض الصحابة -رضوان الله عليهم- عما ارتكبوه في جاهليتهم، مما لا يتفق وشرائع الإسلام، أو بالأحرى كان ردًّا على "عمرو بن العاص"، حين اشترط قبل مبايعته سيدنا ومولانا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أن يغفر له، فقال الحبيب المصطفى -صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ: " أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله" 2.
وهكذا يبدو بوضوح -لا لبس فيه ولا غموض- أنه ليست هناك صلة بين الحديث الشريف، الذي يدعو إلى أن "الإسلام يهدم ما كان قبله"، وبين إهمال التاريخ العربي القديم، بصورة لم يهمل بها أي تاريخ آخر، من تواريخ الأمم، التي كتب لها أن تعتنق الإسلام، وتؤمن بالقرآن، وتشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله.
ثم إذا كان أصحاب هذا الرأي على صواب فيما يقولون، فمن أين إذن جاء "ابن الكلبي" بمادة كتابه "الأصنام" بل كيف يتفق ذلك، والقرآن الكريم قد تعرض لحياة العرب في جاهليتهم، من نواحيها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية، فالقرآن الكريم يتعرض لذكر بعض المعبودات الوثنية، حيث يقول سبحانه وتعالى: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} 3، وحين يقول: {لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ