وتذهب بعض المراجع إلى أن القيصر إنما قد أعان قصيا على خزاعة1، فإذا كان ذلك كذلك، فربما كان الغساسنة هم وسيلة قيصر إلى ذلك، وربما كانت قبيلة عذرة -التي تربى فيها قصي- هي التي قامت بهذا الدور، بخاصة وأنها من القبائل المتنصرة، التي كانت تعيش على مقربة من النفوذ الروماني في الشام، والذي ربما كان يمتد إليها كذلك، وهنا فلعل أقرب الفروض إلى الصواب، أن تكون المساعدة الرومية لقصي عن طريق واحد من حكام الولايات الجنوبية، ولعلها "بصرى" في شكل مساعدة مالية، أو بإيعاز إلى إحدى القبائل الظاعنة حول الحدود الفلسطينية، بمساعدة قصي2، وإذا كان صحيحًا ما ذهبت إليه المراجع العربية، من أن إخوة قصي من عذرة قد ساعدوه في القضاء على خزاعة3، كما أشرنا من قبل، فإن قبيلة عذرة هي التي قامت بهذا الدور.
وأيا ما كان الأمر، فلقد نجح قصي في القضاء على نفوذ خزاعة ومن والاها من بكر، وفي أن يجليهم عن مكة، وفي أن يصبح هو سيد المدينة المقدسة، وصاحب ولاية البيت الحرام، وأن يفرض نفوذه على بطون كنانة التي كانت تلي بعض مناسك الحج، وأن ينزل قريشًا مكة، وكان بعضًا من بطونها مقيما في الشعاب ورءوس الجبال، ثم يقسمها أرباعا بينهم، ومن ثم فقد سمي "مجمعا"، وهكذا تزعم قصي قومه فملكوه عليهم، فكان أول ولد كعب بن لؤي أصاب ملكًا وأطاع له به قومه، وكانت إليه الحجابة والسقاية والرفادة والندوة واللواء، فحاز شرف قريش كله4.