الميلادي1، وطبقًا لرواية الأخباريين التي ذهبت إلى أن مكة لم يكن بها بناء غير الكعبة إلى أن تولى أمرها "قصي بن كلاب"، ذلك لأن جرهم وخزاعة- فيما يزعمون- لم يكونوا براغبين في إقامة بيوت بجوار بيت الله الحرام2، وكأنما يريد هؤلاء الإخباريون أن يقولوا لنا أن مكة ظلت على بداوتها، منذ أن أقام بها إسماعيل، عليه السلام، في القرن التاسع عشر ق. م، وحتى أصبح أمرها بيد "قصي بن كلاب" في القرن الخامس الميلادي، وتلك مبالغة -فيما أظن- غير مقبولة.
هذا وقد ذهبت آراء أخرى إلى أن تأريخ مكة، إنما يرجع إلى القرن الأول ق. م، اعتمادًا على رواية "ديودور الصقلي" -الآنفة الذكر- ورغم أن ديودور لم يذكر تاريخ واسم المعبد، إلا أن أصحاب هذا الاتجاه إنما رأوا أن وصف ديودور للمعبد بأنه كان محجة للعرب جميعًا، لا ينطبق إلا على الكعبة المشرفة3، ولكن "ديودور" لم يحدد لنا بدء سكنى المدينة المقدسة، فضلا عن تحديد تاريخ بناء المعبد نفسه، ومن ثم فربما اعتمد المؤرخون في تحديدهم للقرن الأول ق. م، كبداية لسكني مكة، على أنه العصر الذي عاش بعده ديودور الصقلي.
ويذهب "دوزي" إلى أن تاريخ مكة إنما يرجع إلى أيام داود عليه السلام، حيث أقام بني شمعون بن يعقوب -والذين يسميهم الأخباريون جرهم- الكعبة4، في القرن العاشر ق. م5، وتلك أكذوبة كبرى لأسباب، منها "أولًا" أن قبيلة شمعون الإسرائيلية لم تهاجر أبدًا إلى مكة، وإنما كل ما جاء عنها -وطبقًا لرواية التوراة نفسها6- أنها هاجرت على أيام حزقيا ملك يهوذا "715-687ق. م" إلى الجنوب الغربي من واحة معان، ثم تابعت سيرها حتى نهاية الجنوب الغربي لجبل سعير، حيث قضوا على بقايا ضعيفة، أو جيوب صغيرة للعماليق هناك7، ومنها