وسواء أصحت هذه الروايات، أم أنها من نوع أساطير الأخباريين، فالذي لا شك فيه أن الأحباش قد أصبحوا أصحاب الكلمة العليا في سياسة العربية الجنوبية، منذ اختفاء ذي نواس من المسرح السياسي في اليمن، ومن ثم فقد عملوا على تدعيم المسيحية، وإتاحة الفرصة للنفوذ الروماني من أن يقوى ويشتد، الأمر الذي أزعج الفرس إلى حد بعيد، فعملوا على بث النفور في نفوس اليمنيين ضد الأحباش والرومان على السواء، ومن هنا نرى الهمداني يحدثنا عن نقش وجده في بلاد الحميريين- وإن ذهب البكري إلى أن قريشًا إنما وجدته في أساس الكعبة عند إعادة بنائها قبل البعثة -على حجر مكتوب بالمسند1، جاء فيه "لمن ملك ذمار؟ لحمير الأخيار، لمن ملك ذمار؟ للحبشة الأشرار، لمن ملك ذمار؟ لفارس الأحرار لمن ملك ذمار؟ لقريش التجار"2.
وأيًّا ما كان الأمر، فإن الرواية تذهب بعد ذلك إلى أن "كسرى أنوشروان" "531-589م" قد استشار وزراءه في الأمر، وتمت الموافقة على مساعدة "سيف بن ذي يزن"، ربما تحقيقًا لحلم فارس في السيطرة على طريق التجارة عبر البحر الأحمر، فضلا عن القضاء على النفوذ الروماني -السياسي والاقتصادي والديني- في اليمن، وأن تكون الحملة على اليمن من نزلاء السجون الفارسية، وأن يتراوح عددها بين ثمانمائة أو أكثر- وإن كانت هناك رواية جعلتهم سبعة آلاف وخمسمائة فارس- وأن تكون تحت قيادة الضابط الفارسي "وهريز"، وأن يتزوج الفرس من نساء اليمن، وأن لا يتزوج اليمنيون من النساء الفارسيات، فضلا عن خراج سنوي يحمله "سيف بن ذي يزن" إلى فارس3، وهكذا وجدت فارس في طلب يهود العرب ووثنيهم مؤازرتها ضد الدولة النصرانية، وسيلة للتوسع في بلاد العرب، ومن ثم فإن بادية الشام في الشمال، وإن حالت دون توسع القوى الكبرى