التي لا تعرف طريقًا للتعاون القومي، إلا إذا كان من أجل القبيلة وفي مصلحتها، دونما أي اهتمام بما يجره ذلك على الكيان القومي للبلاد من نكبات، قد تؤدي باستقلال البلاد وخضوعها للأجنبي.
ونقرأ في نصي "ريكمانز 507، 508"- ويرجعان إلى عام 518م- إشارات عن حرب بين الأحباش وملك حميري، هو "يسف أسأر" "يوسف أسار"، ولعل عدم الإشارة هنا إلى اللقب الملكي الطويل، ربما يعني أن سلطان "ذي نواس" لم يكن يمتد إلى كل بلاد العرب الجنوبية، وإنما كان مقصورًا على أجزاء منها، وأن الأحباش -فضلا عن الأقيال اليمنيين- إنما كانوا يشاركونه هذا السلطان، فظفار ومجاوراتها كانت في أيدي الأحباش، كما كان الأقيال قد كونوا حكومات إقطاعية في إماراتهم، كما كانوا يثيرون الفتن والقلاقل في أنحاء البلاد، وهكذا كانت الأحوال الداخلية قلقة، مما جعل البلاد آخر الأمر لقمة سائغة في أيدي المستعمرين الأحباش1، بل إن نص "ريكمانز 508" ليشير إلى حرب وقعت بين الملك يوسف أسار من ناحية، وبين الأحباش، ومن كل يؤيدهم من أقيال اليمن، من ناحية أخرى، وأن الملك قد هاجم "ظفار" و"مخار" واستولى على كنائسها، وإن كان أشد القتال إنما كان بينه وبين قبيلة "الأشاعر"، حيث قتل منهم ثلاثة عشر ألفًا، وأسر تسعة آلاف وخمسمائة أسير، كما استولى على 280 ألف رأس من الإبل والبقر والماعز، ثم اتجه بعد ذلك إلى "نجران" حيث أنزل بالأحباش ومن سار في ركابهم، خسائر فادحة2.
وعلى أي حال، فإن المؤرخين إنما يقدمون عدة أسباب لغزو الحبشة لليمن، منها أولًا" الرغبة في السيطرة على اليمن لضمان توزيع البضائع الحبشية، دون أن تتعرض لاعتداءات الحميريين3، ومنها "ثانيًا" أن عداوة الحبش للعرب قديمة، نشأت منذ أن كان عرب اليمن يخطفون الأحباش من سواحل الحبشة ويبيعونهم أرقاء في بلاد العرب، حيث وجد الحبش في الحجاز4، ومنها "ثالثًا"