الاحتلال الحبشي لليمن:

كانت اليهودية بدأت تأخذ طريقها إلى اليمن منذ فترة طويلة، وإن ازدادت منذ تدمير بيت المقدس على يد "تيتوس" في عام 70م، ومن ثم فإن أصحاب هذا الاتجاه الأخير يرون أننا لو تفحصنا أسماء اليهود المقيمين في بلاد العرب، لرأينا أن معظمهم آراميون وعرب متهودون، وليسوا من ذرية إبراهيم الخليل من ولده إسحاق، عليهما السلام1، أو منذ تهود "أب كرب أسعد" وفرضها على الحميريين -طبقًا لرواية أخرى، سبق لنا الإشارة إليها- أو منذ تهود ذي نواس، سواء أكان ذلك رغبة منه في أن يقاوم دينًا سماويًّا بدين سماويٍّ آخر، ومن ثم فهو يمثل الروح القومية في اليمن، حين رأى في النصارى من مواطنيه ما يذكره بحكم الأحباش المسيحيين البغيض2، بخاصة وأن المسيحية قد أصبحت وقت ذاك تستند إلى قوة الدولة الرومانية الشرقية الطامعة في غزو اليمن3، أو لأنه كان في الأصل- طبقًا لرواية ابن العربي- من أهل الحيرة، وأن أمه يهودية من "نصيبين" وقعت في الأسر فتزوجها والد يوسف فأولده منها، ومن ثم فهو يهودي وفد على اليمن من الحيرة4، سواء أكان هذا أو ذاك، فالذي يهمنا هنا أن الفرقة الداخلية -التي ترجع في الدرجة الأولى إلى دخول اليهودية والمسيحية إلى بلاد العرب الجنوبية- بدأت تدفع البلاد في طريق الاضمحلال5.

وهكذا فإن ظروف اليمن الداخلية كانت من أهم العوامل التي مهدت للفتح الأثيوبي لليمن، ذلك لأننا نقرأ في نقش "فلبي 228" عن حرب داخلية استعر أوارها قبيل الغزو الحبشي "وربما في عام 516م"، واشتركت فيها قبائل سبأ وحمير ورحبة وكندة ومضر وثعلبة6، ومن ثم فقد مهدت هذه الفتنة الطريق للأحباش بسبب الخصومات القبلية القديمة بين القبائل، والتي أدت إلى ظهور الروح القبلية،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015