وأخيرًا فإن هذا الإلحاح على أن التبابعة قوم مؤمنون بالله وبرسالة محمد، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم الإلحاح على عدم جواز سبهم، إنما قد يدل على أن هناك من كان يسب التبابعة ويلعنهم، وربما كان هذا السب وذلك اللعن، لم يكن موجها بالذات إلى التبابعة، وإنما كان موجها إلى اليمنيين بخاصة، والقحطانيين بعامة، ومن هنا كان هذا الإلحاح على عدم السب، بل ربما قد وضعت -فيما يرى الدكتور جواد علي- هذه الأحاديث على لسان النبي -عليه الصلاة والسلام- للرد على هذه الحملة العدنانية ضد القحطانيين1، أضف إلى ذلك أن هذا الإلحاج ربما كان الهدف منه كذلك، إلقاء ظلال من شك على رواية تاريخية تذهب إلى أن "حسان بن عبد كلال" قد أقبل بجيش من اليمن يزيد نقل حجارة الكعبة الشريفية من مكة إلى اليمن، غير أن حملته هذه انتهت بالفشل2 -كما سوف نشير فيما بعد- فضلا عن حملة أبرهة على مكة، والتي شاركت فيها بعض البطون اليمنية.
وأيًّا ما كان الأمر، فإن المصادر العربية إنما تذهب إلى أن "أب كرب أسعد" قد خرج من اليمن حتى وصل إلى جبلي طيئ فسار يريد الأنبار، فلما انتهى إلى موضع الحيرة تحير وكان الوقت ليلا فأقام مكانه، فسمي ذلك المكان بالحيرة، وخلف به قومًا من الأزد ولخم وجذام وعاملة وقضاعة، فبنوا وأقاموا به، ثم انتقل إليهم بعد ذلك ناس من طيئ وكلب والسكون وبلحرث بن كعب وإياد، ثم توجه إلى الموصل، ثم إلى أذربيجان، فلقي الترك فهزمهم، ثم عاد إلى اليمن، فهابته الملوك وأهدوا إليه، ومنها هدايا من الهند التي علم أنها من الصين، ومن ثم فقد غزاها3.
وليس من شك في أن "أبا كرب أسعد" قد كتب له نجحا كبيرًا في توسيع ملكه، وأنه قد بلغ البحر الأحمر والمحيط الهندي، والأقسام الجنوبية من نجد، وربما كان قد استولى على جزء كبير من الحجاز، ومن ثم فإن في روايات الأخباريين عن فتوحاته أساسًا من الصحة4، إلا أن عنصر المبالغة فيها إنما قد أفسدها إلى حد كبير، وإن كانت تدل في الوقت نفسه على قوة شخصيته، التي مكنته من إتمام هذه الفتوح، ومن السيطرة على الأعراب، وبالتالي فقد أضاف إلى لقبه "ملك سبأ وذي