وأيًّا ما كان الأمر، فلقد جاء بعد "ملكيكرب يهأمن" هذا، ولده "أب كرب اسعد" وربما كان هو "أسعد كامل تبع" الذي يروي الإخباريون أنه أول من تهود من التبابعة، ثم نشر اليهودية بين اليمنيين في قصة طريفة، يذهبون فيها إلى أنه كان قد قدم المدينة المنورة غازيا بعد عودته من المشرق، ربما لأن القوم قد قتلوا ولده الذي كان قد خلفه فيهم وهو في طريقه إلى المشرق، وربما لأن رجلا من بني عدي ابن النجار عدا على رجل من أصحابه فقتله، وربما لأنه جاء لنصرة الأوس والخزرج من أبناء عمومته على اليهود، وهنا جاءه "حبران من يهود بني قريظة" ينهيانه عن تدمير المدينة، لأنها سوف تكون مهاجر نبي سوف يخرج من قريش -دعوه أحمدا مرة، ومحمدا مرة أخرى- وهكذا صرف الحبران تبعا عن تدمير المدينة، فضلا عن إيمانه بدينهما، وقوله شعرًا في النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- متمنيا فيه أن يعيش حتى يراه، فيكون له وزيرا وابن عم، فضلا عن القتال إلى جانبه، لأنه كان على علم بما سيلاقيه الرسول -عليه الصلاة والسلام- من قومه من أذى، ثم أودع هذا الشعر عند أهل يثرب ودفعه إلى كبيرهم، وأن القوم كانوا يتوارثونه كابرا عن كابر إلى عهد النبوة1.
ويتجه "أب كرب أسعد" صوب مكة في طريقه إلى اليمن، حتى إذا ما كان بين "عسفان" و"أمج" أتاه نفر من "هذيل" يغرونه بسلب البيت الحرام، ويستفتي "تبع" أحبار يهود فيصدقونه النصح قائلين: "ما نعلم بيتًا لله عَزَّ وَجَلَّ اتخذه في الأرض لنفسه غيره"، ومن ثم فإنه إن سلبه كان هلاكه فيه، ويعلم الرجل أن الصدق ما نصحا به الحيران اليهوديان، فينتقم من هذيل، ثم يمضي إلى مكة فيطوف بالبيت وينحر الذبائح، ثم يقيم بمكة ستة أيام، يرى أثناءها -فيما يرى النائم- وكأنه يكسو البيت الحرام، وتتكرر الرؤيا ثلاث ليال، ويفعل "تبع" ما أمر به في منامه، ومن ثم يصبح أول من كسا البيت، ثم يعود إلى اليمن فتتكرر قصة تهوده