أمرًا يخرج عن قدرة البشر العاديين، ويدخل في عداد معجزات تلك الصفوة المختارة، من رسل الله وأنبيائه الكرام، فيأتي بعرشها إلى قصره، حتى إذا ما وصلت: {قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ، فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ} 1 ثم مفاجأة أخرى: {قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ} 2.

وهنا كانت الملكة قد رأت كل ما يبعد عنها أية ريبة في أنها أمام نبي الله الكريم، سليمان عليه السلام، وليس، كما كانت تظن -بادئ ذى بدء- أنها أمام ملك يطمع في دولتها، أو يبغي الاستيلاء عليها، ثم يجعل من أعزة قومها أذلة، وكذلك يفعل الطامعون والمستعمرون، وهنا أراد الله لها الهداية والإرشاد، ومن ثم: {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 3.

وليس في كل هذا ما يفيد من قريب أو بعيد، أن اليمن قد أصبحت مستعمرة لإسرائيل على أيام سليمان، أو أن بلاد العرب قد أصبحت ضمن دولة اليهود، وكذا ليس في قصة التوراة ما يفيد ذلك، ومن ثم فإذا كان ذلك قد حدث، فهو من خيال الأخباريين، طبقًا لإسرائيليات أوحى إليهم بها مسلمة أهل الكتاب، وليس من حقائق التاريخ وأخباره الصحيحة4.

وعلى أية حال، فإن الروايات العربية تنسب إلى "ياسر يهنعم" الفتوحات العظيمة، فتزعم أنه خرج إلى ما حوى آباؤه من التبابعة العظام، فوطئ من الأرض موطئًا عظيمًا، ودوخ الشام ومصر وقبض أقواتهما، ثم توجه إلى المغرب لرؤيا رآها، يريد أن يبلغ وادي الرمل الذي يسيل، وهكذا أخذ يسير حتى إذا ما بلغ البحر المحيط "ولعله هنا البحر الأبيض المتوسط"، أمر ولده "شمر يرعش" أن يركب هذا البحر حتى يعبره، ثم يرجع إليه بما رأى في وادي الرمل، ويصدع "شمر يرعش" بأمر أبيه، فينزل على صنم ذي القرنين، ثم يبعث بعساكره إلى الإفرنج والسكس والصقالبة، حيث يكتب لها النجح فيما أرادت، فتعود وقد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015