التحالف مع أمير ظفار، مقرونًا بوجود حامية رومانية في "عدن"، أمرًا لا شك في أنه كان ضمانًا كافيًا لسلوك العرب الجنوبيين مسلكًا طيبًا، يضمن للروم نفوذًا تجاريًّا في عدن1. وإن كان الرومان -دون شك- لم يحتلوا جنوب شبه الجزيرة العربية في يوم من الأيام2.
وأيًّا ما كان الأمر، فإن عهد ملوك سبأ وذي ريدان، إنما يبدأ حقيقة إبان النزاع بين "الشرح يحصب" وأخيه "يازل بين" من ناحية، وبين "شعر أوتر" من ناحية أخرى، وليس من شك في أن المصادر الإسلامية إنما تحدثت عن "الشرح يحصب" أكثر من غيره من ملوك تلك الفترة، أو التي سبقتها، فصاحب الإكليل يسميه "إلى شرح يحصب" وينسب إليه بناء قصر غمدان، وأن "بقليس" ابنته، فضلا عما ينسبه إليه من شعر مزعوم كالعادة3، وأما "ياقوت الحموي"، فيدعوه "ليشرح بن يحصب"، كما ينسب إليه كذلك -نقلا عن ابن الكلبي- بناء قصر غمدان4، ولم يفت "ابن جرير" أن ينسب إليه بلقيس، وإن كان "حمزة الأصفهاني" قد جعلها حفيدته؛ لأنها فيما يزعم- "بنت هداد بن شراحيل"5، والذي يعني به "الشرح يحصب".
ولا ريب في أن القول بأن "الشرح يحصب"، كان أبًا لبلقيس التي عاصرت سليمان، أمر غير مقبول، فالأخير قد عاش في القرن العاشر ق. م، وأن الشرح يحصب -طبقًا لأعلى التقديرات- إنما كان في القرن الثاني ق. م، وإن تأخر البعض به إلى القرن الرابع الميلادي، هذا فضلا عن أن القرن العاشر قبل الميلاد، إنما هو تاريخ متقدم جدًّا -في نظر بعض الباحثين- لقيام دولة سبأ نفسها، حتى على أيام المكاربة، وليس الملوك، فضلا عن أن يكون ذلك على عهد "ملوك سبأ وذي ريدان" الذي ينتمي إليهم "الشرح يحصب".