خيراتها، ولاحتكارها طرق النقل التجاري بين العالم، ولجعل البحر الأحمر، بحرًا رومانيًّا، وللقضاء على المنافسة العربية الخطيرة، والتي كان الملاحون الروم يعملون لها ألف حساب عند اجتيازهم باب المندب، أو عندما ترسو سفنهم على بعض المواني في تلك المناطق1. ولو تم المشروع على نحو ما حلم به "أغسطس" "31ق. م-14م" لكان حكم روما قد بلغ العربية الجنوبية، وربما سواحل أفريقية كذلك، إلا أن سوء تقدير الرومان له، واستهانتهم بطبيعة بلاد العرب وعدم إدخالهم في حسابهم قساوة الطبيعة هناك، وعدم تمكن الجيوش الرومانية النظامية من المجابهة فيها، وتحمل العطش والحرارة الشديدة، كل هذه الأمور أدت إلى خيبة المشروع منذ اللحظة الأولى، فكانت انتكاسة شديدة في هيبة روما، وفي مشاريعها التي أرادت تنفيذها في شبه الجزيرة العربية2.
على أن "سترابو" مؤرخ الحملة، إنما يرجع فشلها إلى خيانة "صالح" -الوزير النبطي الذي صاحب الحملة كدليل لها-، بأن أقنع قائدها بتعذر الوصول إلى اليمن برًّا، لعدم وجود عدد كاف من الجمال، مما عرض الحملة لمخاطر جسيمة عند عبورها البحر الأحمر، فضلا عن عدم طرق برية لمرور الجيش الروماني، وكان صالح -فيما يرى سترابو- يهدف من ذلك إلى إضعاف الروم وإذلالهم، فضلا عن إضعاف القبائل العربية نفسها، ليكون سيد الموقف يتصرف فيه كيف يشاء ومتى شاء3، وهكذا عمل صالح "سيلئيوس" إلى السير بالحملة في طريق مقفر، وفي أرضين لا زرع فيها ولا ماء، مما أدى في نهاية الأمر إلى فشل الحملة، وإلى أن يحكم الروم على صالح بالإعدام4.
وأيًّا ما كانت الأسباب في فشل الحملة، التي تعد أول -بل وآخر- غارة ذات بالٍ، قصدت بها دولة أوربية اكتساح داخل الجزيرة العربية، فإن