علي ينوف" المؤسسين الحقيقيين لسد مأرب، والذي يعتبر أكبر عمل هندسي شهدته بلاد العرب في تاريخها القديم، وقد تم هذا العمل في القرن السابع ق. م "فيما بين عامي 650، 630ق. م"، هذا وقد كان من أثر الاهتمام بإنشاء السدود وتنظيم الري، أن زادت مساحة الأراضي الزراعية، وخاصة حول مأرب، مما كان سببًا في الإعلاء من شأنها وزيادة سكانها، ولما كان الرخاء الاقتصادي في سبأ يعتمد على الحياة النباتية -وليس الحيوانية- فإن الاهتمام بتنظيم الري إنما كان سببًا في الرخاء الذي ساد البلاد، إبان الفترة، وجعل من مأرب مدينة مزدهرة، وبالتالي فقد أوجد الصورة الرومانتيكية لبلاد العرب في عقول المؤلفين الكلاسيكيين، فأطلقوا عليها "بلاد العرب السعيدة، وهكذا أصبحت مأرب تنازع صرواح مكانتها أول الأمر، ثم احتلال هذه المكانة بعد حين من الدهر، فغدت عاصمة "سبأ"، وصاحبة معبد الإله الموقاه، إله سبأ الكبير1.
هذا ولم يكن نشاط "يثع أمر" مقصورًا على النواحي الاقتصادية فحسب، وإنما تعداه إلى النواحي الحربية، ومن ثم فإننا نقرأ في نقش "فلبي 77" أنه سَوَّرَ "حريب" وحَصَّنَ قلعتها2، وأنه قام بحملات عسكرية ضد القبائل والدويلات المجاورة، التي بدأ الضعف يتسرب إلى كيانها، وأخذت حكوماتها تسير نحو الزوال بخطى حثيثة، فطبقًا للنقوش التي عثر عليها في مأرب، فإن "يثع أمر" قد هاجم قتبان على أيام ملكها "سم وتر"، وقتل منها قرابة أربعة آلاف رجل، ولم يكن حظ معين بأفضل من حظ قتبان، وإن كنا لا نعلم عدد الضحايا من أبنائها، إلا أننا نعرف أنه قد تابع انتصاره عليها بنصر آخر أحرزه على القبائل والمدن التي لم تكن قد خضعت بعد لحكومته، حتى وصل إلى نجران، وهناك وعلى مقربة من نجران دارت رحى الحرب بينه وبين "مهأمرم"، "مهامرم" و"أمرم" حتى قتل من أعدائه 45 ألفًا، وأسر 63 ألفًا من الرجال، وغنم 31 ألفًا من الماشية، ودمر عددًا من المدن والقرى، الواقعة بين رجمت ونجران3.