الجنوبي، وهذا يفسر لنا الإشارات التي ترد في الوثائق السريانية والعبرية عن المعينيين والسبئيين، وتذكرهم كما لو كانوا يقيمون في الجنوب الشرقي للبحر الميت1.

ومنها "ثانيًا" أن دولة معين إنما كانت -كما أشرنا آنفًا- تحكم كل ما يقال له الحجاز الآن إلى فلسطين، فلما ضعف المعينيون أصبحت سيادتهم مقصورة على ما يسمى "معين مصرو"، التي ما لبثت أن أصبحت بعد فترة تحت سلطان السبئيين، حين كتب لهؤلاء السيادة على الجنوب والشمال معا، وأخيرًا أصبح زمام الأمور بيد "اللحيانيين" الذين كانوا دولة مستقلة هي دولة "لحيان"2، والتي امتد نفوذها في أيام ازدهارها -فيما يرى البعض- على الأرض الممتدة غربي النفود، من شمال يثرب إلى ما يحاذي خليج العقبة، والذي أطلق عليه "أجاثر خيدس"، في القرن الثاني ق. م، اسم خليج لحيان، ثم حرف فيما بعد إلى "لات" "إيلات"3.

وقد قام جدل طويل بين العلماء -ولا سيما المتخصصين منهم في الدراسات التوراتية- حول "معين موصرو" هذه، فذهب فريق منهم إلى أن كلمة "مصرايم" التي جاءت في التوراة، لا تدل على "مصر"، وإنما على الإقليم الواقع شمال بلاد العرب، والذي يمتد غربًا حتى حدود مصر الشرقية، ولهذا فإن ما يقال عن إقامة العبرانيين في مصر، إنما يعني إقامتهم في جنوب فلسطين، أو في شبه جزيرة سيناء وطبقًا لهذا الاتجاه، فإن خروج بني إسرائيل لم يحدث من مصر، وإنما من هذه المناطق المشار إليها، ذلك لأن الباحث اليهودي "هوجو فنكلر" إنما يرى أن اسم "مصرايم" لم يكن استعماله في البداية مقصورًا على الإشارة إلى مصر، ولكنه كان يشمل كذلك الإقليم الذي سماه الجغرافيون البابليون "مصر أو موصري"، والذي يقع جنوب البحر الميت، شمال شبه جزيرة العرب، ويمتد غربًا حتى حدود مصر الشرقية، ويضم جبل سعير ومدينة البتراء وأراضي مدين وأدوم.

ويعتقد "فنكلر" أن التقاليد اليهودية الأصلية، عندما تحدثت عن إقامة الآباء الأولين -وخاصة موسى- في مصرايم، إنما كانت تشير إلى ذلك الزمن حيث عاش

طور بواسطة نورين ميديا © 2015