فضلا عن ذلك، فإن تحليل الرواسب من هذا الموقع أمدنا بدليل مباشر على تواجد سكاني دوري في المنطقة في العصر الحجري، وهكذا يمكننا أن نستنتج أن حركات سكانية وهجرات دورية حدثت على المدى الطويل تجاه الوادي الغريني في جنوب العراق، ومن الممكن أن نظن أن مواطن الاستقرار التي تنتمي إلى حضارة العبيد في بلاد العرب، خاصة تلك التي تقع على طول الساحل، تبادلت المواد الخام مع مثيلاتها في جنوب العراق، فلقد كانت مواد التبادل هذه تتمثل في الأصداف واللآلئ والمنتجات البحرية الأخرى، فضلا عن المواد الحجرية المنتجة من سواحل الجزيرة العربية، كما أن وجود حجر الأوبسيديون في مواقع الجزيرة العربية، لدليل على العلاقات بين هذه الأخيرة وبين الشمال عن طريق جنوب العراق1.

ومما هو جدير بالملاحظة أن الفترة التي بدأت تتكون فيها المدن في العراق، قد توافقت زمنيًّا مع فترة اختفاء حضارة العبيد في الجزيرة العربية، مما يحمل على الظن بأن هجرة كبيرة من سكان الجزيرة نزحت إلى العراق القديم في نهاية الألف الرابعة قبل الميلاد، وهذا يتفق مع ما افترضه العلماء من أن تدفق السكان على سهول العراق كان حاسمًا في قيام المراكز المدنية هناك2.

وعلى أي حال، فلعل من الأهمية بمكان الإشارة هنا إلى المراكز الحضارية في منطقة الخليج العربي إنما قد تأثرت في عصور ما قبيل الكتابة بحضارات جنوبي بلاد الرافدين -كما أشرنا من قبل- ووادي السند ووادي النيل وإيران، ذلك لأن المراحل الأخيرة في عصور ما قبل التاريخ إنما قد تأثرت إلى حد كبير بظاهرة الاتصالات الخارجية3.

وهناك ما يشير إلى تشابه في أشكال الأدوات الفخارية التي تنتمي إلى عصر حضارة العبيد، وتلك التي في موقع أم النار في أبو ظبي بدولة الإمارات العربية، وموقع باكون بإقليم فارس4 في إيران.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015