شرق الجزيرة العربية وسكان جنوب العراق من أولئك الذين كانوا يحترفون الصيد وجمع الغذاء، وأن مجموعات بشرية من شرق الجزيرة العربية قد هاجرت إلى السهل الفيضي القريب منهم، وساهمت بذلك في خلق نوع من التفاعل الثقافي، ومن ثم فقد كان هناك تبادل بين جنوب العراق وشمال شرق الجزيرة العربية في الأدوات الحجرية والمنتجات البحرية إبان عصر العبيد، وربما أدى هذا التبادل إلى هجرات دورية من جانب الرعاة والصيادين أو جامعي الغذاء، إن التطور الاقتصادي في كل من المنطقتين "الصيد والجمع وصيد الأسمال في شرق الجزيرة العربية، والزراعة في جنوب العراق" قد ساعد على عملية التبادل المادي والحضاري بين الناحيتين1.

وعلى أي حال، فلقد كان من نتائج فحص مناطق الاستقرار التي تنتمي إلى حضارة العبيد في شمال شرق الجزيرة العربية، أن الجنوب قد سادت فيه حضارة العبيد المبكرة، بينما سادت في الشمال نفس الحضارة في عصرها المتأخر، وإن عثر في موقع وحيد -على مقربة من قرية الهفوف- على فخار يشبه فخار العبيد المبكر، كما أن الحضارات التي تعاقبت بعد ذلك في جنوب العراق -كالوركاء وما قبل الكتابة- لا أثر لها في تلك المواقع التي عثر فيها على حضارة العبيد في بلاد العرب، كما أنه ليس هناك من دليل على وجود لحضارة العبيد في جزيرة "تارون"، والتي ظهر أن حضارتها إنما كانت على صلة مباشرة بحضارة الخليج العربي التي تنتمي إلى منتصف الألف الثالثة ق. م، وفيما بعد، مثل حضارة البحرين2.

ولعل من نتائج ذلك كله أن هناك عناصر حضارية ثلاثة في شرق الجزيرة العربية في عصور ما قبل التاريخ، تميزت الواحدة بصناعة الأدوات الحجرية، وتأثرت الثانية بحضارة العبيد، وأما الثالثة -ويمثلها موقع جزيرة تارون- فتنتمي إلى حضارة الألف الثالثة ق. م، وما بعدها، وقد كانت نتيجة للعلاقات التجارية بين الجانبين، والتي قامت فيها شواطئ الخليج بدور مهم3.

وطبقًا لعلم الطبقات، فإن العنصرين الحضاريين وجدا أنهما على علاقة مباشرة ومتتابعة في موقع "عين قناص" في الداخل، وفي جنوب غرب المنطقة الشرقية،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015