خارج شبه جزيرة العرب، وبخاصة النقوش الصفوية التي وجدت فوق جبال الصفا جنوب شرق دمشق، وهي قريبة جدًّا -من حيث الخط واللغة وأسماء الآلهة- من المخربشات الثمودية1.

وهكذا أصبح لدينا ما يساعد الآن في الحصول على صورة واضحة إلى حد ما، عما كان جاريًا في تلك البلاد، منذ القرن التاسع قبل الميلاد، وحتى ظهور الإسلام -أي على مدى ألف وخمسمائة سنة- سواء أكان ذلك من الناحية السياسية أو الدينية أو الاقتصادية2.

وليس هذا يعني -بحال من الأحوال- أن الآثار قدمت لنا كل ما عندها، فمما لا شك فيه أننا ما زلنا في هذا الصدد بالذات في مرحلة البداية، ومن ثم فهناك فترات في تاريخ العرب القديم، لا يزال الخلاف فيها على أشده، سواء أكان ذلك على ترتيب الملوك طبقًا للتسلسل التاريخي، أو في تحديد فترات حكمهم، بينما هناك فترات أخرى لا تزال مظلمة تمامًا، وليس هناك من حل إلا مزيدًا من الحفائر -ثم مزيدًا من الحفائر- حتى تخرج لنا الأرض الطيبة تاريخًا، لا أظن أنه يقل كثيرًا عن تاريخ العملاقين الكبيرين -مصر والعراق- في تلك العصور من تاريخ الشرق الأدنى القديم.

ومن أسف، أن تاريخ العرب القديم لم يلق -حتى في العصر الحديث- الاهتمام اللائق به، فرغم أن في العالم العربي عددًا كبيرًا من الجامعات، تُعنى أقسام التاريخ فيها، بدراسة التاريخ القديم بكل فروعه، ومع ذلك، فالقليل منها، هو الذي يهتم بدراسة التاريخ العربي القديم، ومن ثم فهي في ذلك تنقسم إلى أقسام ثلاث، قسم منها لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، هو الذي يدرس التاريخ العربي القديم، كمادة مستقلة قائمة بذاتها، وقسم ثان لا يدرسه إلا كمقدمة لدراسة التاريخ الإسلامي، وأما القسم الثالث، فلا نكاد نحس أن لهذا التاريخ المجيد ذكر بين برامج الدراسة فيه، ومن عجب أن هذا يحدث في الوقت الذي تهتم فيه الجامعات الأوربية بدراسة هذا التاريخ، وكأن أمر دراسة تاريخنا يهم الأوربيين، أكثر مما يهمنا نحن أسلاف أصحاب هذا التاريخ، بل وكأن دراسة تاريخ إسبرطة وأثينا القديم أهم عندنا من دراسة تاريخ اليمن ونجد والحجاز القديم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015