{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ} 1، ومن هنا فإن الأديان السماوية الكبرى -اليهودية والمسيحية والإسلام- إنما تحيط الخليل بهالة من الاحترام والإجلال، وتشرف جميعًا بالانتساب إليه.
هذا إلى أن الجزيرة العربية قد عرفت في تاريخها الطويل أنواعًا من الرسالات، ولم تكن رسالة الإسلام وحدها هي التي بدأت فيها، فكان هود في الأحقاف، وكان صالح في ثمود، وكان شعيب في مدين، وكان موسى الذي نادى ربه بجانب الطور الأيمن، على حدود الجزيرة العربية، ومن قبل كان إبراهيم الذي بنى البيت، وإسماعيل الذي رعاه وورثه أولاده من بعده2، فهذه الجزيرة بامتدادها إنما كانت مهبط الوحي منذ القدم، ولها عهد بالرسالات وقد تتابعت فيها على مر العصور3.
ثم أليس في اختيار العرب لحمل الرسالة العالمية معنى كريمًا، يستحق منا دراسة تاريخ هؤلاء القوم الذين أكرمهم ربهم -دون غيرهم- بدعوتين، لأبيهم إبراهيم الخليل توجه بهما إلى ربه، إحداهما، {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ} 4، والثانية {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} 5.
وقد استجاب الله لإبراهيم فجعل البيت مثابة للناس وأمنًا، ثم انبعث في ذريته محمد، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانت قريش هي القبيلة التي ولد فيها محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وانبعث منها محمد -عليه الصلاة والسلام- وكان اختيار هذا النبي على سنة الله في اصطفائه رسله وأنبياءه، من أكرم البيوت وأشرف الظهور، وأطهر البطون، وأبعدها عن الدنايا، وألصقها بمكارم الأخلاق6، على ما يقول