الميكروبات، وغرف الفضاء، والهبوط على القمر، والاتصال بالكواكب الأخرى!
إن الإنسان وحده لا يستطيع أن يفهم سائر المؤسسات والشركات التي تزوده بالمنتجات والخدمات. والعجيب أنه كلما ارتفعت الحضارة، وزاد التخصص، أصبح مصير الفرد معلقا في أيدي جهات شتى ومؤسسات عديدة، في مجالات الاقتصاد والنقابات والهيئات والسياسية وغيرها. فنحن نعيش في عصر العلم والخبراء والمعلومات المعقدة، وكذلك يمتاز هذا العصر بوسائل الاتصال الحديثة، والاعتراف بحساسية الرأي العام وأهميته. ولما كانت حياة الإفراد متأثرة بما يجري في كافة الهيئات والمؤسسات المتعددة، فإن طابع الحضارة الحديثة يتطلب من الصحف أن تقوم بتفسير هذه المدنية المعقدة.
ونستطيع القول بأن أجهزة الإعلام قد أخذت هي الأخرى في التخصص وفقا لطبيعتها، فلم تعد الصحافة هي أسرع الوسائل الإعلامية في نقل الأخبار، بل إن الإذاعة قد تفوقت عليها تفوقا عظيما. غير أن النشرات الإخبارية والإذاعية لا تستطيع أن تعطي أخبارا كاملة مفسرة، وإنما هي تعطي مجرد عناوين سريعة، ولمحات خاطفة، تاركة للصحافة مهمة الشرح والتفسير والتفصيل. ونحن لا نبالغ كثيرا إذا قلنا إن المهمة الرئيسية للفن الصحفي الحديث، بعد تطور الإذاعة، أصبحت الشرح والتعليق والتفسير. وقد رأينا أن مجلات متخصصة في تفسير الأخبار، وبيان أبعادها المختلفة قد أخذت تظهر في جميع أنحاء العالم نخص منها بالذكر مجلات تايم ونيوزويك في أمريكا ودير شبيجل في ألمانيا وباري ماتش في فرنسا، بالإضافة إلى المجلات المصورة مثل لايف ولوك وغيرهما.
وهكذا تطورت مهمة الفن الصحفي الحقيقي، وأصبحت تدور حول التفسير وإلقاء الضوء على الأخبار، وبيان آثار الأحداث على حياة الناس. ولذلك ظهر فن التحقيق الصحفي، الذي يعتبر بحق من أهم معالم الصحافة الحديثة لأنه يعطي للقراء معلومات حية تساعد على فهم الأخبار، كما تستخدم الصور والعناوين والرسوم، وكافة فنون التسجيل الطباعي من أجل التبسيط والشرح والتفسير.