وعملية التبسيط كثيرا ما تكون أصعب من الخلق والابتكار الفني ذاته.
ولذلك فإنه لا يقوم بمهمة التبسيط سوى علماء من نوع جديد، يتقنون الفن الصحفي الأصيل، ويهضمون المسائل العويصة، ويحلون غوائصها بحيث يستطيعون أن يتحدثوا عن أعظم الحقائق بأبسط الألفاظ. وعلى العكس من ذلك ترى أن من لم يهضم المادة يسرف في استخدام المصطلحات الفنية، ويعجز عن الإبانة، بل قد يبلغ به الأمر أن يقول التوافه والبديهيات في أعقد الألفاظ وأشق المصطلحات، وأصعب العبارات. وكل ذلك فضلا عن أن عملية الهضم نفسها لا تكفي ذلك؛ لأن التبسيط يتعرض حتى عند الهاضمين لخطرين كبيرين، أولهما الإيجاز الغامض وثانيهما الإطناب المخل.
فبعد عميلة الهضم وإتمام الفهم، يتعين على الكاتب الصحفي أن يخضع عصارة عقله للألفاظ السهلة المبينة، وهذه العملية شاقة تتطلب الاهتمام بالمضمون من جهة، وإسكان المعنى في اللفظ المناسب من جهة أخرى. بل يتطلب الأمر مرحلة ثالثة هي الإقناع.