وقد يبدو غريبا أن يستمر نشاط الرسائل المنسوخة حتى مطلع القرن الثامن عشر أي بعد اختراع الطباعة بثلاثة قرون. ولكن الحقيقة أن هذه الرسائل كانت تسد فراغا كبيرا لا يمكن أن تسده الصحف المطبوعة، وذلك لأن القيود الحكومية والرقابة الصحفية وقوانين النشر المختلفة كانت تنصب على المطبوعات فقط مما جعل لهذه الرسائل المنسوخة أهمية كبرى وخاصة عندما تكون الحكومة شديدة في رقابتها أو عندما تصادر المطبوعات أو تعطل.

ولا شك أن إنشاء الخدمات البريدية في القرن الخامس عشر كان من أهم العوامل التي ساعدت على رواج الرسائل الأخبارية المنسوخة، غير أنه ينبغي الإشارة هنا إلى أن هذه الرسائل لم تكن ذات صفة شعبية كما يتوهم بعض المؤرخين، والحقيقة أنها كانت مقصورة على طبقة بعينها من رجال البلاط والسياسة وأثرياء التجار وذلك لارتفاع قيمة الاشتراك فيها حتى بلغ حوالي خمسين جنيها بعملتنا الحديثة. ومن ناحية أخرى كان عدد المتعلمين أنفسهم قليلا، فضلا عن أن الخطابات المنسوخة لا يمكن انتشارها على نطاق واسع لقلة عدد ما ينتج منها نظرا لصعوبة عملية النسخ وبطئها.

ومع تقدم الصحافة المطبوعة، لم يستطع الخبر المنسوخ أن ينافس الخبر المطبوع، وخاصة بعد صدور الصحف الدورية بأنبائها المنيرة والخرافية أحيانا مثل أخبار مقاطعتي إسكس وسافوك في إنجلترا "حيث أمطرت السماء قمحا على مسافة بين الستة والسبعة أميال". ومن الطريف أن هذه الصحف المطبوعة كانت تحتوي على خبر واحد مثير بتفاصيل كثيرة ومبالغة. كما أن أسلوب الكتابة كان يتخذ شكل الأغنية أو الشعر ذي الوزن القافية، مصحوبا أحيانا ببعض الرسوم التي كانت تحفر على قوالب خشبية.

وقد كانت أخبار العالم الجديد واكتشاف أمريكا تروى في أوروبا بطريقة مليئة بالتهويل والمبالغة. وتنافست صحف إيطاليا والنمسا وألمانيا وهولندا على نشر هذه الأخبار التي كانت تترجم إلى صحف أوروبية أخرى وبالعكس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015