فن اليوميات الصحفية:

ومقالات "اليوميات" قريبة الشبه جدا من روح فن العمود من حيث التعبير الشخصي الذي ينم عن تفكير صاحبه، وروح المذهب الذي يعتنقه، ونظرته إلى الحياة، سواء كانت روحه ساخرة أو متواضعة أو مغرورة أو متكبرة. وقد تتناول اليوميات نقدا سياسيا أو اجتماعيا، والكاتب هنا يعبر عن وجهة نظره هو لا وجهة نظر الصحيفة.

ويرى بعض علماء الصحافة1 أن المحرر الصحفي ينبغي أن يترك آراءه الخاصة عند باب غرفة التحرير، ويخلعها دائما كما يخلع معطفه عند هذا الباب حتى إذا ما انتهى عمله، وعاد إلى معطفه عادت إليه آراؤه الخاصة التي يمكنه أن يحتفظ بها لنفسه. غير أن هذا الرأي لا يمكن أن ينطبق على كاتب اليوميات بصفة مطلقة، وذلك لأن اليوميات أشبه بالمقال الأدبي من حيث العناية باختيار الألفاظ، والاحتفاظ بطلاوة الأسلوب، بل لعلها أقرب إلى مقالات الاعترافات، بصفة خاصة، فهي تقدم صورا نابضة بالحياة، زاخرة بالمعاني. وهي تتطلب سيطرة تامة على اللغة والتعبير بالأسلوب السهل الممتنع، ولا شك أن طواعية اللغة لا تتيسر إلا للعارفين بها، والقادرين عليها.

ولعل الطريقة الجاحظية في الكتابة بخصائصها المعروفة من حيث الإسهاب والاستطراد واتساع العبارة وجذب القارئ وسحبه بلطف ومهارة، والقدرة على أن تؤدي أفخم المعاني بأيسر الألفاظ، والعناية بجرس اللفظ وموسيقى العبارة -كل هذه الخصائص تنطبق على فن اليوميات الحديثة.

وتقول باترسون2 في مقدمة كتابها عن فن المقال الصحفي أن قراءة المذكرات واليوميات محبوبة لأنها تدور حول قصص وأحداث تعتبر أقرب إلى الواقع منها إلى أي شيء آخر. وقد يعترف الكاتب بأخطائه وبإخفاقه في بعض مراحل حياته، ولكنه يعلل لهذا الإخفاق، فيكون الضعف البشري موضوعا للمعالجة الفنية. وقد تتعرض اليوميات لبعض فئات المجتمع ولحالات غربية من حالاته أو بعض الأوضاع الشاذة. ولا شك أن ذلك يعود بالفائدة على القارئ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015