الخاصة لبعض القراء، والسبب في ذلك راجع إلى عامل نفسي وهو أنه كثيرا ما يحس القارئ بالشعور الذي ينتاب صاحب الرسالة إذا وقع في هذا المأزق أو الورطة التي لم يجد لها حلا، مما دعاه إلى أن يستفتي محرر العمود، وكثيرا ما يتصور القارئ نفسه مكان زميله القارئ الآخر في مشكلته فيحس بإحساسه، ولذلك وجب على كاتب العمود مراعاة ذلك كله عند كتابته حتى تكون هناك صلة أوثق بينه وبين قرائه وهو الأمر الذي تحرص عليه الصحيفة كل الحرص1.

ويصور العمود شخصية الكاتب وأفكاره وأحاسيسه وتأملاته، والكاتب يعتبر القراء بمثابة أصدقائه حين يفضي إليهم بكل ما خطر على باله أو ما يجيش في صدره من أفكار دون تكلف، ولا يضع كاتب العمود نفسه موضع المعلم أو الناصح أو المؤدب أو المترفع أو المتعالي، وإنما يخاطبهم مخاطبة الزميل لزميله أو الند للند. وكاتب العمود لا يتعمق في البحث كما يفعل المتخصصون، وإنما هو يكتب على سجيته كمواطن صالح مندمج في حياة الناس، وشاعر بآمالهم وآلامهم ومحاسنهم وعيوبهم، وعارف بمقاييس الخير والشر، كما أنه عارف بموازين الحق والباطل وبمعايير القبح والجمال، يستطيع أن يتهكم ويسخر في موضع التهكم والسخرية، ولكن بعبارات غير جارحة وإن كانت لاذعة.

ويمتاز العمود الصحفي بخفة الظل وسهولة الأسلوب، واستخدام الصيغ الاستفهامية والاستنكارية والتعجبية، كما أنه يمزج التعبير بالتهكم والسخرية مع الحكم والأمثال المتداولة، والنكات اللاذعة والاقتباسات الدالة، والنقد البناء. وبالرغم من أن العمود لا يتسع لأكثر من الكلام عن فكرة واحدة، أو خاطر واحد، فإن كاتبه مضطر كذلك -بحكم الحيز الذي خصصته الصحيفة للعمود- أن يوجز في عبارته، وألا يجنح إلى الإسهاب في هذه العبارة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015